الأربعاء، 26 مارس 2014

المحامون



المحامون
تخرج (أحمد)فى كلية الحقوق جامعة عين شمس ليتوجه بعدها مباشرة الى نقابة المحامين ليصبح محاميا وكانت سعادة والده تفوق سعادته بكثير وفى اليوم الذى حصل (أحمد)على كارنيه النقابة أستقبله والده بلهفة وطلب منه انتظاره فى غرفته ليجد والده يدخل اليه بعد قليل حاملا كتابا كبيرا ليثير ذلك الكتاب فضول (أحمد)
فسأل والده:
-ايه الكتاب ده يا بابا؟
- قبل ما تعرف ايه الكتاب ده لازم أقولك على حاجة الاول انا مستنى اليوم اللى تبقى فيه محامى من يوم ما انت اتولدت علشان أسلمك الكتاب ده.
- ليه؟
فتجاهل الاب السؤال وأكمل:
-انت عارف ان جدك كان محامى.
- اه.
- وابوه كان محامى وانا بقيت محامى ومن وأنت صغير زرعت فيك حب المحاماة وكنت بأخدك معايا المحاكم والمكتب علشان تحب المهنة وتبقى محامى.
فناول الاب ابنه الكتاب وقال له:
-الكتاب ده فيه يعتبر تاريخ عائلتنا كله من أول جدك الكبير (قاسم)لغاية ابوك وكل واحد بيكتب أهم انجاز له فى المحاماه ويسلم الكتاب لابنه اللى بقى محامى زيه علشان يحفظ الامانة ودلوقتى الدور عليك ووصيتى لك ان تحافظ على الامانة وتسلمها لابنك.
فأخذ (أحمد)الكتاب من أبيه فى رهبة ليفتح الكتاب بمجرد ان غادر والده الحجرة ويتنقل بين الصفحات التى بدت قديمة جدا ليبدأ من أول صفحة وقد احتوت على ورق ممزق بالكاد تستطيع ان تقراه فأنتقل لعدة صفحات قليلة للامام ليجد ما هو موجود بتلك الصحفات الممزقة مكتوبة عن طريق الكمبيوتر ففهم ان والده قد أعاد كتابة تلك الصفحات الممزقة خوفا من ضياع اثرها وبدأ فى قراءة تلك الصفحات:
-بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين ابدا انا العبد الفقير الى الله (قاسم بن محمد)اليوم الجمعة الموافق السادس من شهر ذى الحجة لعام1309من هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والذى يوافق فى التقويم الافرنجى 1892 فى كتابة أهم ما مر بنا فى عملنا كوكيل عن الابرياء فى المنازعات لوجه الله تعالى حيث فى احد الايام مر بنا (اسماعيل السقا) بسبب ما عرف عنا –بفضل الله-من حذاقة ورجاحة عقل وفصاحة اللسان وحسن السمعة لسألنا ان ندافع عنه بسبب توجيه له تهمة السرقة من احد قصور الاعيان بعد ان أعطاهم الماء العذب وقد وفقنا الله فى اثبات برائته،وقد نوينا باذن الله ومشيئته ان نلحق ولدنا الاكبر (يحيى)بمدرسة الادارة والالسن التى انشاها مولانا الخديوى (اسماعيل) بعد ان أصبحت شرطا للعمل فى مهنة الوكلاء وأوصيناه بان يدافع عن الحق وتسليمه هذا الكتاب ليعطيه لابنه من بعده وان يجعله يعمل بمهنة الوكلاء وجعلنا هذا الكتاب ليتوارثه نسلنا بان يضيف اهم ما مر به فى تلك المهنة الشريفة وفى النهاية نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعل من نسلنا دائما خادمين للعدل.
لم يصدق (أحمد)ما يقراه للمرة الاولى فبين يديه كلمات يعود تاريخها للقرن التاسع عشر من جده الاكبر فقلب الصفحة ليجد ايضا ورق قديم مهترىء ليجد بعدها بعدة صفحات ان تلك الصفحات ايضا قد تم كتابها مرة اخرى لعدم فقدها وبدأ فى قراءة تلك الصفحات:
-بعد الصلاة والسلام على (المصطفى)صلى الله عليه وسلم وعملا بوصية والدنا المغفور له نكتب نحن (يحيى بن قاسم)اليوم الرابع من شهر فبراير عام 1922 والموافق السابع من شهر جماد الاخر لعام1340من الهجرة اهم ما تعرضنا له فى عملنا فى مهنة المحاماة تلك المهنة النفيثة حيث يعد العمل الاشرف طوال مشوارنا فى تلك الحياة هو المشاركة فى الدفاع عن اهالى دنشواى الشرفاء فى الواقعة الشهيرة عام1906 حينما قام جنديان بريطانيان بقتل فلاحة المصرية وهربا ليموتا بعد ان تعرضا لضربة شمس لتتم محاكمة عدد من اهالى دنشواى ويصدر حكم جائر ضد اربعة بالاعدام وعدد كبير بالحبس لمدد متفاوتة مع جلدهم ليقوم (مصطفى كامل) وهو خريج مدرسة الحقوق بالسفر للخارج لعرض القضية امام المجتمع الدولى ليحدث على اثرها سحب (اللورد كرومر) من(مصر)،وبذلك أكون قد وفيت بعهدى لأبى ولأنى لم ارزق بذكور فقد تركت هذا الكتاب لابن شقيقى وزوج ابنتى (مصطفى) ليحقق ما اراده أبى خاصة بعد أن ألتحق (مصطفى)بكلية الحقوق ووعدنى بالتحلى بالاخلاق الكريمة لممارسة تلك المهنة العريقة.
أنتقل (أحمد)الى الصفحة التالية مباشرة ليكمل تاريخ أسرته فى مهنة المحاماه ليجد فى الصفحة التالية ورقة تبدو قديمة ولكنها بحال جيدة ويمكن قراتها فبدأ يقرا:
-بسم الله الرحمن الرحيم أبدا أنا(مصطفى محمود قاسم) بعد الصلاة والسلام على نبينا الكريم اليوم الخامس من شهر ديسمبر سنة 1958 فى كتابة أهم لحظة بحياتى فى مجال المحاماه وأقوم بعدها بتسليم هذا الكتاب والامانة الثقيلة الى ابنى الاصغر (عبد العزيز)لاكون بذلك قد أوفيت بعهدى الى عمى المرحوم (يحيى)وأنفذ وصية جدى (قاسم)،وتعود اللحظة الاهم فى حياتى الى عام 1919 بالرغم من كون هذا الحدث الاهم فى حياتى كمحام الا انه كان بعيدا عن ساحات المحاكم حيث كنت محام حديث التخرج واتلقى تدريبى لدى مكتب عمى (يحيى) رحمة الله عليه الا انى كنت شديد الحماسة لقضية الدفاع عن وطنى ضد الاحتلال فخرجت ضمن المظاهرات التى أنطلقت من ربوع (مصر)بسبب نفى (سعد باشا زغلول) والوفد الذى معه -والذين كانوا أغلبهم من خريجى كلية الحقوق-وأول ما أنطلقت المظاهرات كانت من طلبة كلية الحقوق ليكونوا الشرارة التى اشعلت الثورة فى (مصر)كلها وبعد يومين من الثورة أعلنت نقابة المحامين وقتها الاضراب العام وخرج المحامين فى مسيرات للتنديد بالاحتلال وأنضممنا للمظاهرات لتتحقق وقتها اهداف ثورتنا بالافراج عن (سعد باشا)والوفد الذى معه واعلان موقف (مصر)فى مؤتمر الصلح فى (باريس)،واليوم أقوم بتسليم ذلك الكتاب الى نجلى الاصغر   (عبد العزيز) بعد ان تخرج فى كلية الحقوق مشددا عليه الحفاظ على تلك الامانة الصعبة والتحلى فى عمله بالاخلاق الكريمة.
بالرغم من شعور (أحمد)بالتعب من قراءة كل ذلك الا ان فضوله كان أقوى من تعبه لينتقل للصفحة التالية ليرى ماذا كتب جده (عبد العزيز)فى مذكراته خاصة وانه كان احد المحامين المشهورين:
-بسم الله الرحمن الرحيم واحمده على قيامى بواجبى بعد تلك السنوات الطوال أكتب انا (عبد العزيز مصطفى محمود قاسم)فى العشرون من شهر مارس عام 1989 أستطيع ان أقول اننى وجدت الحدث الاهم فى حياتى المهنية والذى استطيع ان افخر بأنتمئى لتلك المهنة الجليلة (المحاماه)فقد رأيت أمس علم (مصر)عاليا على أرض طابا الغالية بعد حرب عسكرية اذهلت العالم فى اكتوبر 1973 خاضها الجنود المصريون لتبدأ بعدها حرب قانونية شرفت بأن أكون فى الصف الثانى بها خلف القامات القانونية التى تحملت المسئولية وكانت فى الصورة الرئيسية لننتصر فى تلك الحرب القانونية وتعود أرضنا الغالية الينا بفضل الله سبحانه وتعالى وجهود عدد من رجال القانون فى (مصر)كلها واليوم أقوم بتسليم هذا الكتاب الى ابنى (جمال)ليكمل ما بداه اجداده داعيا الله ان يعينه على تحمل تلك الامانة.
أنتقل (أحمد)الى ما كتبه والده مباشرة ليقرا:
-اقوم انا (جمال عبد العزيز مصطفى محمود قاسم)فى اليوم الاول من شهر سبتمبر عام 2013 بكتابة اهم ما مر بى فى حياتى المهنية لأكمل ما بداه اجدادى منذ قرن من الزمان ويعد العمل الاهم فى حياتى هو الانضمام كمحام متطوع لفريق المدعين بالحق المدنى فى قضيتين:الاولى عن شهداء ومصابى ثورة الخامس والعشرين من يناير والثانية:شهداء ومصابى الاتحادية ومن أستشهدوا فى عدد من الاحداث التى أدت الى ثورة الثلاثين من يونيو،واليوم وقد أصبح ابنى (أحمد)محاميا اعطيه هذا الكتاب محملا بتاريخ اسرته فى المهنة التى تخدم العدل.
شعر (أحمد)بعد ان قرا ذلك الكتاب انه ثقيل جدا انه يحمل تاريخ أسرة ومهنة وواجبه ان يحافظ على كليهما فعندما تخرج ظن انه مهنة المحاماه مجرد كارنيه يضع عليه صورته ولكن الان بعد ان قرا كيف أثرت تلك المهنة فى تلك البلد علم انه امام مسئولية حقيقية يتوجب الحفاظ عليها فيجب ان يستعد لان يكتب بعد عدة سنوات شيئا مشرفا له فى التاريخ وأن يسلم الامانة لمن سيأتى بعده وأن يعلمه معنى شرف تلك المهنة الجليلة.
تمت
ملحوظة:الطريقة التى تم كتابة بها تلك القصة من خلال قراءة صفحات قديمة لاجيال مختلفة مستوحى من احدى قصص د.أحمد خال توفيق.
     


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق