الأربعاء، 19 مارس 2014

الشحات



الشحات
فى العاشرة من عمره كانت التجربة الاولى ل(سعد) فى التسول عندما اعطته والدته خمسين قرشا وأرسلته لشراء بعض متطلبات المنزل الا انه عندما وصل الى السوق أكتشف ضياع المال منه ووقف يبكى فوجد امراة تقترب منه وتسأله بشفقة:
-أنت بتعيط ليه يا حبيبى؟
- ماما بعتتنى اشترى حاجة والفلوس وقعت منى وهتتضربنى.
- وقع منك كام؟
فلما رأى تعاطف المراة قال كذبا:
-جنيه.
فأخرجت المراة جنيها وأعطته له ومسحت بيدها على راسه وقالت له:
-خلاص متعيطش وخد بالك للفلوس لتقع منك تانى.
فى هذا اليوم لم يصدق نفسه لقد تحصل على خمسين قرشا كاملة له بسبب دمعتين تساقطت من وجه وبدأ بعدها الهرب من المدرسة فى بعض الاحيان ويبتعد عن منزله ويستول من المارة بالرغم من كون اسرته اسرة محترمة لم تحرمه من اى شىء ولكنه وجدها طريقة سهلة للحصول على المال وظل على ذلك الحال لمدة سنتين قبل ان يفتضح امره عندما شاهده صديق والده ونقل اليه ما يفعله ابنه ليتعرض (سعد) يومها لضربا مبرحا من والده الامر الذى جعله يترك البيت اثناء نوم اسرته ويتجه للشارع وفى الشارع انضم الى عصابة تقوم بتسريح المتسولين فى الشارع فسأله رئيس تلك العصابة:
-انت سبت المدرسة ليه يا (سعد)؟
- عايز اشتغل فى الشحاتة يا معلم.
تعجب الرجل من رد (سعد)فغالبية من انضموا اليه هم فى الاصل اطفال شوارع او اطفال تم اختطافهم من اهلهم صغارا اما ان ينضم اليه ولد يترك اسرته ليعمل فى مجال التسول فهذه اول مرة يرى امرا مشابها فعاد وسأله مرة اخرى:
-طيب انت سبت بيتك ليه مش ابوك بيصرف عليك؟
- ايوه يا معلم بس انا بحب الشحاتة بحس انها نصاحة انك تضحك على واحد وتاخد منه فلوسه.
وفى اليوم الاول عاد الصبى بمبلغ كبير من المال لم يحققه اى صبى من قبل فأعتبره المعلم الورقة الرابحة له خاصة وان (سعد)قد وصل الى مرحلة كبيرة فى كسب التعاطف والاقناع فيستطيع ببكاء مصطنع ان يلين اقسى القلوب لتتعاطف معه حتى ان المعلم قد نقله الى احد اهم الاماكن الراقية وذلك بعد شهر واحد من عمله لديه وأمر المعلم ان يكون هذا المكان خاليا ل(سعد)فقط لا يوجد معه احد وخصص شخص لمتابعته ولحراسته من اى مضايقات اثناء تسوله بعد ان اصبح يدر يوميا مبلغا لوحده اكثر من كل المتسولين معا الذين يعملون لدى المعلم مما جعله يقترب من المعلم اكثر وأصبح الاكثر حصولا على يومية بين جميع اقرانه ومضى تلك الفترة من طفولته فى التسول واخذ يمر على اسرته-التى ايقنت ان ابنهم سار فى طريق لن يستطيعوا يبعدوه عنه-على فترات متباعدة،وما ان بلغ العشرين حتى اعتبره المعلم ابنه وذراعه اليمنى ليوكل اليه توزيع المتسولين الصغار وتدريبهم ومتابعة كافة التفاصيل وبالرغم من سنوات سنه الصغيرة الا انه اثبت انه صاحب شخصية قوية وأستطاع فى تلك الفترة ان يحقق مبلغا كبيرا كان من الممكن ان يكفيه التسول بحيث يكون اسرة ويقوم بعمل مشروع صغير ولكن (سعد)أكتشف ان التسول بالنسبة له متعة اكبر من جلب الاموال نفسها وبعد ان توفى المعلم انتقلت السلطة له بدون اعتراض من احد وهو فى الثلاثين من عمره بعد ان ظل المساعد الوفى للمعلم لمدة عشرة اعوام كاملة وبالرغم من كونه المعلم الاكبر الا انه كان يتنكر فى عدة صور ليتسول بنفسه،وفى خلال عشر سنوات اخرى أصبح مليونير من اموال التسول وأفتتح العديد من المشروعات وتطورت معه منظومة التسول بحيث أصبح لديه العدد الاكبر من المتسولين فى العاصمة كلها دون ان يعلم احد ان رجل الاعمال صاحب المشاريع الكبيرة هو المسئول الاول عن التسول فى البلاد وتزوج خلال تلك الفترة من فتاة جامعية من اسرة متوسطة والتى اعتبرت (سعد)عريس لقطة لا يمكن التفريط فيه دون علمهم بحقيقته،و عمله بالبيزنس ومشاريعه الكبيرة لم تجعله يتوقف عن متابعة نشاط التسول وبالرغم من كل ما وصل اليه من ثراء الا انه لم تتطرق اليه الراحة او السعادة فدائما ما كان يشعر بان هناك شيئا ينقصه فقابل (ابراهيم) ذراعه الايمن والذى يدير من خلاله منظومة التسول وقال له:
-انا مش مرتاح يا (ابراهيم)؟
- ليه يا ريس سلمتك انت تعبان؟
- لا يا (ابراهيم)انا حاسس ان فى حاجة نقصانى.
فهز (ابراهيم)ليعلن عن عدم قدرته على الاستيعاب فأتجه (سعد)نحو النافذة ووقف يشاهد احد المتسولين فى الشارع وهو يستعطف المارة فقال فى شرود:
-انت عارف انا عايز ايه؟
- ايه جنابك؟
- عايز اشحت زى زمان.
 ظن (ابراهيم)انه اخطا سمع العبارة التى قالها (سعد) فتسائل:
-انك ايه يا باشا؟
- ارجع اشحت زى زمان.
قال (ابراهيم)لنفسه ان الرجل حتما قد اصابه الجنون لقد وصل الى الخمسين من عمره وأصبح من اغنى الرجال فى البلاد ويريد ان يمد يده ليتسول،فلم يجد ما يقوله فألتفت (سعد) ليشاهد  المتسول من النافذة وعاد الى (ابراهيم)وقال بلهجة امرة:
-انا عايز هدوم قديمة ونظارة سوداء رخيصة.
- حاضر يا افندم.
وبعد ان اتى (ابراهيم)بما طلبه من مديره فوجىء به يرتدى تلك الملابس ونزل الى الشارع بعد ان أحكم تنكره وبدأ فى التسول وظل (سعد)على ذلك الحال لمدة عشر سنوات كاملة فى الصباح يكون (سعد بيه)أغنى أغنياء البلاد والذى تفتح امامه كل الابواب المغلقة ويتمنى اى شخص ان يصافحه وفى المساء يكون (سعد الشحات) الذى يتوسل الى الناس للعطف عليه واعطاءه اى مبلغ ومن العجيب انه كان يستمتع بالنصف الاخر لقد أدمن التسول بالرغم من كونه احد اكبر الاثرياء وفى احد الايام واثناء قيامه بالتسول فى الشارع أصابته أزمة قلبية ليموت فورا وألتف حوله المارة ولم يجدوا معه اية اوراق معه تشير الى شخصيته بدأوا فى سؤال اهل الخير للتبرع بأية اموال لدفن شحات فقير ومن تدابير القدر انه عاش طول حياته شحات وعند موته بالرغم من ثراءه مات شحات ودفن فى مقابر الصدقة.
تمت

هناك تعليق واحد: