الأربعاء، 26 مارس 2014

المحامون



المحامون
تخرج (أحمد)فى كلية الحقوق جامعة عين شمس ليتوجه بعدها مباشرة الى نقابة المحامين ليصبح محاميا وكانت سعادة والده تفوق سعادته بكثير وفى اليوم الذى حصل (أحمد)على كارنيه النقابة أستقبله والده بلهفة وطلب منه انتظاره فى غرفته ليجد والده يدخل اليه بعد قليل حاملا كتابا كبيرا ليثير ذلك الكتاب فضول (أحمد)
فسأل والده:
-ايه الكتاب ده يا بابا؟
- قبل ما تعرف ايه الكتاب ده لازم أقولك على حاجة الاول انا مستنى اليوم اللى تبقى فيه محامى من يوم ما انت اتولدت علشان أسلمك الكتاب ده.
- ليه؟
فتجاهل الاب السؤال وأكمل:
-انت عارف ان جدك كان محامى.
- اه.
- وابوه كان محامى وانا بقيت محامى ومن وأنت صغير زرعت فيك حب المحاماة وكنت بأخدك معايا المحاكم والمكتب علشان تحب المهنة وتبقى محامى.
فناول الاب ابنه الكتاب وقال له:
-الكتاب ده فيه يعتبر تاريخ عائلتنا كله من أول جدك الكبير (قاسم)لغاية ابوك وكل واحد بيكتب أهم انجاز له فى المحاماه ويسلم الكتاب لابنه اللى بقى محامى زيه علشان يحفظ الامانة ودلوقتى الدور عليك ووصيتى لك ان تحافظ على الامانة وتسلمها لابنك.
فأخذ (أحمد)الكتاب من أبيه فى رهبة ليفتح الكتاب بمجرد ان غادر والده الحجرة ويتنقل بين الصفحات التى بدت قديمة جدا ليبدأ من أول صفحة وقد احتوت على ورق ممزق بالكاد تستطيع ان تقراه فأنتقل لعدة صفحات قليلة للامام ليجد ما هو موجود بتلك الصحفات الممزقة مكتوبة عن طريق الكمبيوتر ففهم ان والده قد أعاد كتابة تلك الصفحات الممزقة خوفا من ضياع اثرها وبدأ فى قراءة تلك الصفحات:
-بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على اشرف الخلق والمرسلين ابدا انا العبد الفقير الى الله (قاسم بن محمد)اليوم الجمعة الموافق السادس من شهر ذى الحجة لعام1309من هجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والذى يوافق فى التقويم الافرنجى 1892 فى كتابة أهم ما مر بنا فى عملنا كوكيل عن الابرياء فى المنازعات لوجه الله تعالى حيث فى احد الايام مر بنا (اسماعيل السقا) بسبب ما عرف عنا –بفضل الله-من حذاقة ورجاحة عقل وفصاحة اللسان وحسن السمعة لسألنا ان ندافع عنه بسبب توجيه له تهمة السرقة من احد قصور الاعيان بعد ان أعطاهم الماء العذب وقد وفقنا الله فى اثبات برائته،وقد نوينا باذن الله ومشيئته ان نلحق ولدنا الاكبر (يحيى)بمدرسة الادارة والالسن التى انشاها مولانا الخديوى (اسماعيل) بعد ان أصبحت شرطا للعمل فى مهنة الوكلاء وأوصيناه بان يدافع عن الحق وتسليمه هذا الكتاب ليعطيه لابنه من بعده وان يجعله يعمل بمهنة الوكلاء وجعلنا هذا الكتاب ليتوارثه نسلنا بان يضيف اهم ما مر به فى تلك المهنة الشريفة وفى النهاية نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعل من نسلنا دائما خادمين للعدل.
لم يصدق (أحمد)ما يقراه للمرة الاولى فبين يديه كلمات يعود تاريخها للقرن التاسع عشر من جده الاكبر فقلب الصفحة ليجد ايضا ورق قديم مهترىء ليجد بعدها بعدة صفحات ان تلك الصفحات ايضا قد تم كتابها مرة اخرى لعدم فقدها وبدأ فى قراءة تلك الصفحات:
-بعد الصلاة والسلام على (المصطفى)صلى الله عليه وسلم وعملا بوصية والدنا المغفور له نكتب نحن (يحيى بن قاسم)اليوم الرابع من شهر فبراير عام 1922 والموافق السابع من شهر جماد الاخر لعام1340من الهجرة اهم ما تعرضنا له فى عملنا فى مهنة المحاماة تلك المهنة النفيثة حيث يعد العمل الاشرف طوال مشوارنا فى تلك الحياة هو المشاركة فى الدفاع عن اهالى دنشواى الشرفاء فى الواقعة الشهيرة عام1906 حينما قام جنديان بريطانيان بقتل فلاحة المصرية وهربا ليموتا بعد ان تعرضا لضربة شمس لتتم محاكمة عدد من اهالى دنشواى ويصدر حكم جائر ضد اربعة بالاعدام وعدد كبير بالحبس لمدد متفاوتة مع جلدهم ليقوم (مصطفى كامل) وهو خريج مدرسة الحقوق بالسفر للخارج لعرض القضية امام المجتمع الدولى ليحدث على اثرها سحب (اللورد كرومر) من(مصر)،وبذلك أكون قد وفيت بعهدى لأبى ولأنى لم ارزق بذكور فقد تركت هذا الكتاب لابن شقيقى وزوج ابنتى (مصطفى) ليحقق ما اراده أبى خاصة بعد أن ألتحق (مصطفى)بكلية الحقوق ووعدنى بالتحلى بالاخلاق الكريمة لممارسة تلك المهنة العريقة.
أنتقل (أحمد)الى الصفحة التالية مباشرة ليكمل تاريخ أسرته فى مهنة المحاماه ليجد فى الصفحة التالية ورقة تبدو قديمة ولكنها بحال جيدة ويمكن قراتها فبدأ يقرا:
-بسم الله الرحمن الرحيم أبدا أنا(مصطفى محمود قاسم) بعد الصلاة والسلام على نبينا الكريم اليوم الخامس من شهر ديسمبر سنة 1958 فى كتابة أهم لحظة بحياتى فى مجال المحاماه وأقوم بعدها بتسليم هذا الكتاب والامانة الثقيلة الى ابنى الاصغر (عبد العزيز)لاكون بذلك قد أوفيت بعهدى الى عمى المرحوم (يحيى)وأنفذ وصية جدى (قاسم)،وتعود اللحظة الاهم فى حياتى الى عام 1919 بالرغم من كون هذا الحدث الاهم فى حياتى كمحام الا انه كان بعيدا عن ساحات المحاكم حيث كنت محام حديث التخرج واتلقى تدريبى لدى مكتب عمى (يحيى) رحمة الله عليه الا انى كنت شديد الحماسة لقضية الدفاع عن وطنى ضد الاحتلال فخرجت ضمن المظاهرات التى أنطلقت من ربوع (مصر)بسبب نفى (سعد باشا زغلول) والوفد الذى معه -والذين كانوا أغلبهم من خريجى كلية الحقوق-وأول ما أنطلقت المظاهرات كانت من طلبة كلية الحقوق ليكونوا الشرارة التى اشعلت الثورة فى (مصر)كلها وبعد يومين من الثورة أعلنت نقابة المحامين وقتها الاضراب العام وخرج المحامين فى مسيرات للتنديد بالاحتلال وأنضممنا للمظاهرات لتتحقق وقتها اهداف ثورتنا بالافراج عن (سعد باشا)والوفد الذى معه واعلان موقف (مصر)فى مؤتمر الصلح فى (باريس)،واليوم أقوم بتسليم ذلك الكتاب الى نجلى الاصغر   (عبد العزيز) بعد ان تخرج فى كلية الحقوق مشددا عليه الحفاظ على تلك الامانة الصعبة والتحلى فى عمله بالاخلاق الكريمة.
بالرغم من شعور (أحمد)بالتعب من قراءة كل ذلك الا ان فضوله كان أقوى من تعبه لينتقل للصفحة التالية ليرى ماذا كتب جده (عبد العزيز)فى مذكراته خاصة وانه كان احد المحامين المشهورين:
-بسم الله الرحمن الرحيم واحمده على قيامى بواجبى بعد تلك السنوات الطوال أكتب انا (عبد العزيز مصطفى محمود قاسم)فى العشرون من شهر مارس عام 1989 أستطيع ان أقول اننى وجدت الحدث الاهم فى حياتى المهنية والذى استطيع ان افخر بأنتمئى لتلك المهنة الجليلة (المحاماه)فقد رأيت أمس علم (مصر)عاليا على أرض طابا الغالية بعد حرب عسكرية اذهلت العالم فى اكتوبر 1973 خاضها الجنود المصريون لتبدأ بعدها حرب قانونية شرفت بأن أكون فى الصف الثانى بها خلف القامات القانونية التى تحملت المسئولية وكانت فى الصورة الرئيسية لننتصر فى تلك الحرب القانونية وتعود أرضنا الغالية الينا بفضل الله سبحانه وتعالى وجهود عدد من رجال القانون فى (مصر)كلها واليوم أقوم بتسليم هذا الكتاب الى ابنى (جمال)ليكمل ما بداه اجداده داعيا الله ان يعينه على تحمل تلك الامانة.
أنتقل (أحمد)الى ما كتبه والده مباشرة ليقرا:
-اقوم انا (جمال عبد العزيز مصطفى محمود قاسم)فى اليوم الاول من شهر سبتمبر عام 2013 بكتابة اهم ما مر بى فى حياتى المهنية لأكمل ما بداه اجدادى منذ قرن من الزمان ويعد العمل الاهم فى حياتى هو الانضمام كمحام متطوع لفريق المدعين بالحق المدنى فى قضيتين:الاولى عن شهداء ومصابى ثورة الخامس والعشرين من يناير والثانية:شهداء ومصابى الاتحادية ومن أستشهدوا فى عدد من الاحداث التى أدت الى ثورة الثلاثين من يونيو،واليوم وقد أصبح ابنى (أحمد)محاميا اعطيه هذا الكتاب محملا بتاريخ اسرته فى المهنة التى تخدم العدل.
شعر (أحمد)بعد ان قرا ذلك الكتاب انه ثقيل جدا انه يحمل تاريخ أسرة ومهنة وواجبه ان يحافظ على كليهما فعندما تخرج ظن انه مهنة المحاماه مجرد كارنيه يضع عليه صورته ولكن الان بعد ان قرا كيف أثرت تلك المهنة فى تلك البلد علم انه امام مسئولية حقيقية يتوجب الحفاظ عليها فيجب ان يستعد لان يكتب بعد عدة سنوات شيئا مشرفا له فى التاريخ وأن يسلم الامانة لمن سيأتى بعده وأن يعلمه معنى شرف تلك المهنة الجليلة.
تمت
ملحوظة:الطريقة التى تم كتابة بها تلك القصة من خلال قراءة صفحات قديمة لاجيال مختلفة مستوحى من احدى قصص د.أحمد خال توفيق.
     


الأحد، 23 مارس 2014

المجذوب



المجذوب
فى احد الايام وجد اهالى احدى القرى المنغلقة على نفسها فى صعيد (مصر) بينهم شابا فى الخامسة والثلاثين من عمره ذو ثياب رثة ويبدو عليه غير مدرك لما حوله ويحمل فى يده سبحة وطريقة كلامه متقطعة بحيث يذكرك بالمجذوب الذى يظهر فى الافلام القديمة،حاول أهل القرية فى البداية ان يعلموا من هو أو من يريد ولكن دون جدوى حتى اصبح وجوده فى القرية معتادا فيختفى لمدة يومين او ثلاثة ويظهر فجاة بدون مقدمات فأحيانا يفاجئون به فى السوق او المسجد او المقهى فلا احد يعلم اين ينام وأطلقوا عليه فى القرية أسم (عبدالله)بعدما فشلوا فى معرفة شخصيته وظلت الامر تسير بشكل طبيعى فى القرية لمدة شهر منذ وصول هذا الشاب الى القرية حتى حدثت الحادثة الاولى والتى لم ينتبه اليها احد حينما كان (عبدالله)يحمل
احدى الحقائب المملوكة للحاج(بدوى)احد الاعيان بالقرية وأدخلها الى منزله فأمر الحاج (بدوى)باعداد طعام ل(عبدالله)الذى استوقفته زهرية بداخلها الورود فأقتربت الخادمة من (عبدالله)وقالت له:
-بتبص للزهرية ليه يا واد يا(عبدالله) هى عجباك؟
فأجاب (عبدالله)فى تلعثم كعادته:
-اخدت شر راحت.
- انت بتقول ايه؟
- اخدت شر بيت راحت.
فناولته رغيف به لحمة وقالت:
- طب امسك الاكل ده وامشى من هنا.
واثناء اجتماع عدد من رجال القرية فى حديقة بيت الحاج (بدوى)ليلا سمعوا صوت شيئا تم كسره بالصالة فدخلوا الى هناك ليجدوا الزهرية مكسورة،فمر الامر عادى على الرجال ولكن بالنسبة للخادمة تذكرت ما قاله (عبدالله)صباحا خاصة عندما سمعت الدكتور (طارق)-الطبيب بالوحدة الصحية-يقول:
-معلش يا حاج اخدت الشر وراحت.
كان من الممكن ان تعتبر الخادمة ذلك من قبيل الصدفة لولا الحادثة الثانية والتى علم بها هذه المرة كل أهل القرية عندما ظهر (عبدالله)فى وسط القرية وكان يسير كأنه يعلم الى أين يتجه بالضبط فوقف امام (على)-الذى يدرس بالقاهرة فى احدى الكليات-فتسائل الاخير عندما قام (عبدالله)بقطع الطريق عليه:
-عايز حاجة يا(عبدالله)؟
فلما لم يجبه (عبدالله)أخرج (على)خمسة جنيه ليعطيها ل(عبدالله)ولكنه رفض اخذ الاموال وقال بتلعثم:
-مبروك.
- على ايه يا (عبدالله)؟!
فكرر (عبدالله):
-مبروك.
- ايوه مبروك على ايه؟!
- مبروك نتيجة نجحت.
فشعر (على)بالدهشة لما سمعه من (عبدالله)فحاول ان يستفسر منه عما يعنيه وكيف علم بعقله هذا عن نتيجته وانه ينتظرها فلم يستطع ان يعلم منه شيئا اخر فلم يعر (على)الامر اهتماما وبعد يومين ظهرت النتيجة لتعلن عن نجاح (على)الذى اخبر ابيه وامه بما قاله له (عبدالله)وقوله لابيه وامه بتلك الواقعة كان كفيلا بأنتشار الخبر فى البلدة كلها لتخبر بعدها خادمة (الحاج بدوى)بالواقعة التى تمت وتنبأ فيها (عبدالله)بكسر الزهرية والتى تحققت مساء نفس اليوم ليتحول (عبدالله)بين ليلة وضحاها من (الوادعبدالله)الى (الشيخ عبدالله) ولكنه اثناء بحث القرية كلها عنه كان قد اختفى فتركوا رجال القرية عملهم وأشغالهم وأخذوا يبحثون عنه دون جدوى ليظهر وحده بعدها كما أختفى وحده ليبدأ كبار اعيان القرية فى محاولة معرفة اى بشرة منه ولكنه لم يتحدث حتى ظنوا ان كل ما قاله كان مجرد صدفه وان الناس هى التى قد صنعت منه تلك الهالة والاساطير التى قيلت عنه فتركوه كما كان وكادوا ان يهملوه كما ذى قبل لولا ان أستوقف فى احد الايام والد فتاة اسمها (فاتن)فى الشارع كما فعل من قبل مع (على)وقال له:
-(فاتن)عريس لا.
فشعر الرجل بقلق ودهشة وقسال:
-بتقول ايه يا (شيخ عبدالله)؟!
- (فاتن)عريس لا.
- عريس ايه يا (شيخ عبدالله)ده (فاتن)ماجلهاش عرسان.
فتركه (عبدالله)فى حيرته وأنصرف ليفاجىء والد(فاتن)بعدها بيومين بعريس دق بابه ليتزوج ابنته،وساد الفرح فى منزله ولكنه وحده شعر بالقلق فسألته زوجته:
-فى ايه يا أبو (فاتن)انت المفروض تبقى اسعد واد فى الدنيا علشان المهندس اللى عايز يتجوز بنتك.
- (عبدالله)من يومين قالى ان فيه عريس هيتقدم لبنتك.
- (الشيخ عبدالله) قالك كده؟
- اه.
- ده راجل مكشوف عنه الحجاب بس ده اللى قالقك؟
- لا اللى قلقنى انه قالى عريس (فاتن)لا يعنى بيقولى ما اوافقش عليه.
فشعرت المراة بغصة وقالت:
-بس ده عريس لقطة ده مهندس.
- انتى مش لسه قايلة (الشيخ عبدالله)مكشوف عنه الحجاب؟
- طب احنا نسأل عن العريس وبعدين نشوف.
فتوجه الرجل الى الدكتور (طارق)-وهو طبيب شاب فى منتصف الثلاثينات من القاهرة ويعمل فى تلك القرية-وتبادلا المجاملات قبل ان يقول الرجل:
-كنت عايز اطلب منك حاجة يا دكتور.
- اؤمر يا حاج.
- كان  فيه عريس من (مصر)متقدم لبنتى وكنا عايزين نسأل عنه وأنت عارف اننا مالناش حد فى (مصر)وانت الوحيد اللى فى البلد من (مصر).
- تحت امرك يا حاج وانشاء الله ربنا يتمم بخير.
- ربنا يكرمك يا دكتور.
فقام الرجل باعطاء اسم الشاب الى الدكتور الذى عاد اليه بعد أسبوع وقال له فى شىء من الحرج:
-أنا أسف يا حاج كنت عايز اجيبلك اخبار كويسة بس العريس يعنى عامل مشاكل كبيرة ومتورط فى قضايا نصب.
فشكره الرجل على تعبه وعاد الى زوجته وأخبرها بما تم لتعود أسطورة (الشيخ عبدالله)مرة اخرى الى القرية التى بدأت بالاهتمام به مرة اخرى ولكن ظلت محاولات الناس فى التقاط بعض الكلمات منه مستحيلة اذ تأتى تلك الحالة الخاصة فى لحظة معينة بدون ترتيب وحتى دون ان يسعى شخص الى المعرفة فهى مجرد كلمات يتكشف عنها حقائق بعد ايام قليلة حتى فجر(عبدالله)فى احد الايام مفاجاة عندما وقف فى وسط السوق وقال مخاطبا لا احد بصوت جهورى:
-العمدة القمح المخازن.
فأنتشر الخبر بين البلد كلها فالكلمات التى قالها الرجل لا تحتاج جهد كبير لتفسيرها فهى تعنى ان مخزن الغلال الذى يتم منه توزيع منه القمح الذى سرق وتم تسجيل المحضر ضد مجهول من قام بسرقته هو العمدة الكل تهامس فى الموضوع ولم يجرؤ احد عن التحدث فيه فى مكان عام لانهم يعلمون العمدة وقسوته فهو يكاد يسيطر على البلد بالحديد والنار وهو يحوز لدى الحكومة ثقة عمياء وبالتالى لا مجال لشكوته فيما يرتكبه من جرائم متمثلة فى سرقة ونهب وفرض اتاوات وشراكة بالجبر وترهيب ووصلت فى بعض الاحيان الى قتل وتقيد القضايا ضد مجهول بينما البلدة كلها تعلم ان الجانى هو العمدة دون ان يكون لديهم القدرة على قول ذلك حتى وصل الهمس الى دار العمدة ذاته الذى استشاط غضبا مما سمعه فكان قد سمع بكرامات (عبدالله)ولكن لم يتخيل بانه سيقوم بفضح امره فأمر رجاله بأحضار (عبدالله)مقيدا امامه ولكن كالعادة لم يعثر له على ادنى أثر وفى اليوم التالى مساء حيث كان العمدة فى نوم عميق سمع حركة فأستيقظ ليجد (عبدالله)امامه مباشرة فشعر برعبا شديد ولكنه تمالك نفسه وقال بعصبية:
-انت دخلت هنا ازاى؟
- عمدة بيت كنز.
- كنز؟
فردد (عبدالله):
- عمدة بيت كنز.
- قصدك ان فيه هنا كنز.
ولم يستطع ان يستخلص منه كلمة واحدة وحاول ان يعلم منه اى شى خلال الايام التالية حتى فوجى ب(عبدالله)يقول:
-جن (مسعد).
ففسر العمدة الجملة سريعا فى ان(مسعد)-الشهير بتسخير الجان وتحضير الارواح-
هو القادر على استخراج الكنز فأرسل فى طلبه وما ان وصل (مسعد)حتى سأله العمدة فى حذر:
-انت عارف انا بعتلك ليه يا (مسعد)؟
- علشان الكنز اللى فى السرايا.
فأرتد العمدة للخلف وتسائل فى دهشة:
-انت عرفت ازاى؟
فأبتسم (مسعد)ولم يجب فسأله العمدة:
-تقدر تعرف هو فين؟
- اه بس نتفق الاول يا عمده.
- اللى تطلبه.
- الكنز ده يا عمدة عبارة عن ذهب فراعنة واثار مدفون فى جزء معين فى البيت.
- طب فين؟
- مليون جنيه قبل ما أبدا.
- كام؟
- مليون جنيه يا عمدة،الذهب يا عمده ثمنه لوحده خمسة مليون جنيه غير الاثار.
 فقال العمدة فى جشع:
-موافق.
- هتفضيلى اوضة فى الدور الارضى هقعد فيها ليلتين كاملين محدش يقرب منها غير واحد يحط الاكل قصاد الباب ويمشى وما يلتفتش وراه.
- حاضر.
- حضر الفلوس وانا هبدأ انهاردة.
وبالفعل سحب العمدة مليون جنيه من البنك ونقدها ل(مسعد)بينما اختفى (عبدالله)فى تلك الاثناء كعادته دون ان يجده احد وتوجه (مسعد)الى منزل العمدة ومعه حقائب مغلقة بها الاشياء التى سيعمل بها على تسخير الجان كما قال للعمدة وقضى الليلتين فى الغرفة ولم يخرج منها وفى النهاية أشار الى بقعة معينة ليأمر العمدة رجاله بالتكسير والحفر بها ولكن ما ان بدأ الرجال فى التكسير حتى فوجىء الموجودين بقوة من الشرطة تقتحم المكان ليسأل العمدة أكبرهم رتبة فى قوة:
-فى ايه يا حضرة الظابط؟
- معانا امر بالتفتيش يا حضرة العمدة.
- تفتيش بيت العمدة انت عارف انت بتقول ايه انا بتليفون انقلك وبعدين عايز تفتش عن ايه؟
- مخدرات.
وأمر رجاله بالتفتيش ليعود أحدهم بحقيبة من الحجرة التى كان فيها (مسعد)وبفتحها
وجدوا كمية من المخدرات ليقتادوا العمدة الى القسم وهو فى حالة ذهول ويتوعد بالانتقام من ظابط الشرطة،وبعدها بأسبوع فى القاهرة طرق (مسعد)باب شقة فى (السيدة زينب)ليفتح الدكتور(طارق)له باب ويقول له:
-أتاخرت ليه ده انا و(حسام)مستنينك من بدرى.
فعانقه (مسعد)وقال له:
- معلش الطريق زحمة.
ودخل ليعانق (حسام)الذى لم يكن سوى (عبدالله)ولكن بملابس نظيفة ويبدو اكثر وسامة خاصة مع تلك الابتسامة التى على وجه ليسأل:
-ايه اللى حصل مع العمدة؟
- اخد تجديد اربع ايام على ذمة القضية.
- يستاهل.
فضحك الدكتور (طارق) وهو يقول:
-كل ما افتكر منظرك يا (حسام)وانت عامل نفسك مجذوب اقعد اضحك.
- بس بذمتك مش ممثل كبير.
- طبعا يظهر ان معهد السينما اللى انت دخلته عمل منك ممثل كبير ده انا نفسى اخوك كنت هصدق انك مجذوب.
- انت أول ما قلتلى ان العمدة بتاع البلد اللى انت شغال فيها طلب منك تبصم مريض عندك مش فى وعيه على ورق بيع ارض ولما انت رفضت أجر بلطجية وضربوك وكانوا هيموتوك وهددك بعدها انه هيضيع مستقبلك وهيلفقلك تهمة سبت كل حاجة وقلت ألحق أخويا وانتقمله من الراجل ده.
فقال (مسعد):
-بس الفكرة كانت عبقرية،بس انتوا خلتوا الناس تصدق ازاى انك مبروك؟
فقال الدكتور (طارق):
-فى بيت الحاج (بدوى)فى الليلة اللى كنا ساهرنين عنده انا استاذنت انى ادخل الحمام وخليت الزهرية اللى (حسام) قال انها هتقع على الحرف بحيث تقع ولما لقيت الشغالة جت علشان تنضف مكان الزهرية قلت نفس الجملة اللى قالها (حسام)،اما بالنسبة ل(على)خليت حد يجيب النتيجة بتاعته من الكنترول قبل ما تنزل و(فاتن)العريس اللى اتقدملها واحد صاحبى من القاهرة وهو اللى كان بيخدمنى ولما ابوها سألنى عنه قولتله ان اخلاقه وحشة ومخزن القمح الكل كان عارف ان العمدة هو اللى سرق بس خايفين يتكلموا غير الناس نفسها بدأت تردد حكايات أساطير عن (حسام)والمخدرات اللى انت حطتها فى الشنطة واتفقنا معاك علشان ترسم دورك على العمدة ورسيناك على كذبة الكنز علشان تنتقم لأبوك اللى مات بالقهر بعد ما العمدة سرق أرضه وجبنا المخدرات وانت سبتها فى اوضة العمدة والبوليس لقاها هناك.
فعقب (حسام)ضاحكا:
-الحمد لله انى كل ما كنت أختفى منهم محدش يتخيل انى كنت بأروح انام عند (طارق)فى شقته.
- بس ازاى العمدة مفكرش انى فعلا لو عارف مكان الكنز وبسخر جن كنت اخدت انا الكنز لنفسى بدل ما أدله عليه؟
- الطمع مفيش نصاب يقدر يضحك على حد غير لما يكون طماع تلاقيه قال انك تعرف مكان الكنز بس متقدرش تاخده علشان الكنز فى بيته فهترضى بمبلغ زى ده.
فتسائل (مسعد):
-والفلوس؟
- كل اللى العمدة سرقهم او اخد حقهم رجعلهم حقهم من فلوسه واتبقى مبلغ مش بطال هنوزعه علينا احنا الثلاثة بالنسبة لك تقدر تبدأ بالمبلغ بتاعك مشروع كويس هنا فى (القاهرة) علشان مينفعش ترجع البلد تانى و(حسام)أخويا محدش هيعرفه بعد ما خرج من شخصية (عبدالله) وهوأصلا مش هيروح البلد تانى وأنا هرجع البلد عادى علشان محدش يشك وبعد أسبوعين هقدم على طلب نقل (للقاهرة)وأفتح عيادة بنصيبى من الفلوس وحلال على العمدة المؤبد اللى هيلبسه من المخدرات واهى عقوبة على الجرايم اللى ارتكبها وما أتحسبش عليها.
تمت