الأحد، 31 يوليو 2016

المبارة



المبارة
جلس مجموعة من الشباب تتراوح اعماراهم بين الخامسة عشر والثامنة عشر على ارضية غير مستوية لملعب كرة قدم مرهقين بعد انتهائهم من التدريب يتبادلون الضحكات، ليدخل عليهم شاب فى اواخر الثلاثينات ليقول لهم:
-اخباركم ايه يا شباب؟
ليبادلوه جميعا التحية قبل ان يخاطب ذلك الشاب اكبر اللاعبين سنا قائلا:
-عايزك يا (محمود) لو سمحت.
- حاضر يا كابتن.
فسارا بمفردهما داخل الملعب الكبير الذى يكاد يخلو من النجيلة وظهر فى حالة يرثى لها قبل ان يقول الشاب:
-ايه رأيك نعمل لفريقك مبارة ودية؟
- ياريت يا كابتن (مصطفى) امتى وفين ومع مين؟
فذكر له ان المبارة مع فريق فى نفس سنهم لنادى اجتماعى شهير واعضاءه من صفوة المجتمع واشتراك عضويته تتجاوز المائتى الف جنيه، وستكون المبارة بعد ثلاثة ايام فأستمع (محمود) اليه ووافق على المبارة وذهب الى اصدقائه وأخبرهم بأمر المبارة وما ان انتهى من كلامه حتى قال (عمرو) -قلب دفاع الفريق- :
-يعنى احنا هندخل النادى بتاعهم؟
- اه.
ليعقب (كريم)- قلب الوسط المدافع- :
-مش مهم نلعب المبارة المهم ندخل النادى ده.
وفى يوم المبارة أستقل الفريق سيارة ميكروباص من موقف السيارات بالمنطقة الشعبية التى يسكنوا فيها ليتكدسوا داخل السيارة متجهين الى المنطقة الفاخرة التى يقع فيها النادى وما ان وصلوا الى بوابة النادى حتى منعهم أمن النادى من الدخول بسبب مظهرهم ليتحدث (محمود) الى (مصطفى) الذى رتب لهم تلك المواجهة
فطلب منه الانتظار امام البوابة ليجلس الفريق على الرصيف المقابل لبوابة النادى
وبعد ربع ساعة خرج احد العمال وتحدث الى امن البوابة واصطحب الفريق الى داخل النادى ليسيروا خلفه باتجاه الملعب منتقلين بعيونهم بين اليمين واليسار بانبهار من النادى واعضاءه ليميل (احمد) -قلب الوسط- على اذن صديقه (على)-الجناح الايمن للفريق- :
-شايف البنات اللى فى النادى شكلهم عامل ازاى ولابسين ايه؟
فأجابه (على) بالايجاب واستمر الفريق فى السير حتى ارشدهم العامل الى غرفة خلع الملابس ليقوموا بتغيير ملابسهم واصطحبهم بعد ذلك الى الملعب مباشرة فوجدوه ملعب كبير تم قص العشب فيه بعناية شديدة ووجدوا المدرجات بها بعض المشجعين من الشباب والبنات وأهالى اللاعبين وما ان دخل الشباب أرض الملعب وبداوا فى التدريب بدأ عليهم الارتباك وسخر الجمهور من الفريق الضيف خاصة بعد ان ارتدوا ملابس الكرة الخاصة بهم والتى بدت مزرية مقارنة بالملابس التى يرتديها الفريق المضيف، فجلس (محمود) مع فريقه قبل المبارة وقال لهم:
-اوعى تركزوا مع الجمهور ولا فى فارق المستويات اللى بينكم وبينهم مفيش فرق بينكم غير فى الملعب ،والفريق اللى هيلعب راجل هو اللى هيكسب، احنا هنفاجئهم بمستوانا وهنلعب كورة نظيفة ،هنلعب بخطة 4/2/3/1 اتنين وسط مدافعين وثلاثة تحت المهاجمين هيبقوا انا و(بيبو) و(عصام) وهنلعب بمهاجم واحد (سيف).
وبدات المبارة بحماس كبير من الفريق الضيف بضغط مبكر على الفريق المضيف الذى بدأ المدرب الخاص بهم بتوجيه التعليمات لهم وطوال نصف ساعة كاملة ظل اللعب منحصر فى منطقة نصف الملعب وتقاسم الفريقان الاستحواذ على الكرة وفى الدقيقة الثانية والثلاثين انطلق الفريق الضيف عن طريق لاعبه (على) من الجبهة اليمنى وقبل ان يضغط احد لاعبى الفريق الاخر عليه قام الاول بتمريرها الى (بيبو) الذى اعادها الى (على) فى الجبهة اليمنى مرة أخرى بعد ان تجاوز احد لاعبى الوسط للفريق المضيف بعد ان افسح له مساحة ليقترب من منطقة الجزاء من الجهة اليمنى ليرفع الكرة داخل منطقة الجزاء ليقابلها (عصام) بضربة رأس قوية ليسكنها الشباك ليحتفل الفريق الضيف وسط صافرات الاستهجان من جماهير الفريق المضيف وبعد الهدف الاول بدأ الفريق المضيف فى الضغط لينكمش الضيوف فى دفاعاتهم للحفاظ على هدف التقدم واثناء توقف الكرة بسبب تدخل احد لاعبى الفريق المضيف بعنف على (حسين) الظهير الايسر للضيوف وتعرضه للاصابة، دخل المدير الفنى للفريق المضيف ليخاطب حكم المبارة والذى لم يكن الا احد العاملين بقطاع الكرة فى نادى الفريق المضيف تم اسناد مهمة تحكيم المبارة له لانها ليست الا مبارة ودية مع فريق من الشارع لا تستدعى طلب حكم خاص لادارتها، فأقترب الدير الفنى من الحكم-الذى يعمل معه فى الفريق- وقال له:
- ايه اللى انت بتعمله ده؟
- ايه يا كابتن؟
- العيال اللى من الشارع دى مينفعش تكسب فريقنا، بص كده على المدرجات.
فنظر الحكم الى المدرجات ليكمل المدير الفنى:
-دول اهالى الاولاد اللى بيلعبوا فى فريقنا وبيدفعوا اشتراكات كبيرة بتخلينى وتخليك نقبض مرتبات كبيرة يحصل ايه لما اولادهم يخسروا من عيال من الشارع؟
اكيد هيشوفوا غيرنا فلازم نكسب باى طريقة مفهوم؟
-حاضر يا كابتن.
وتم استئناف المبارة ليبدا الحكم بالتحيز باتجاه الفريق المضيف حتى اعطاهم الفرصة لكى يتعادلوا عن طريق ضربة جزاء وهمية فى نهاية الشوط الاول لينتهى الشوط الاول بالتعادل ويجتمع (محمود) مع الفريق ويقول لهم:
- يظهر كدة يا رجالة اننا مش هنكسب الماتش ده بسبب الحكم.
فقال (عمرو) فى انفعال:
-ده ابن....
فقاطعه (محمود):
-مش عايز حد ينفعل على الحكم او يعترض على قراره علشان كده كده مش هيخلوا اولاد الموظفين والعمال اللى زينا يكسبوا ولاد البهوات والبشوات فعلشان يجبونا تانى هنا ونلعب معاهم استحملوا اى قرار يقولوا الحكم وده طبيعى احنا فريق العشوائيات والمساكن وهما فريق الفيلات والكومبوندات.
فضحك الفريق على تعليقه الاخير ولكن بدت ضحكتهم عصبية فعقب (محمود):
-بس ده مش معناه انكم تنزلوا تخسروا لا تلعبوا رجالة وبشرف لاخر دقيقة.
ونزل لاعبى الفريقين الى ارض الملعب ليبدأ الشوط الثانى بقوة وبقرارات تحكيمية
متحيزة لفريق الكومبوندات بدت صارخة فعرقلات قوية ضد فريق العشوائيات لا تحتسب ومع شعور فريق الكومبوندات بتحيز الحكم لصالحهم زادوا فى الخشونة مما ادى الى اصابة (خالد) لاعب الوسط المدافع الذى يلعب بجوار (احمد) ليقوم (محمود) باستبداله ليحل (محمد) محله ومع تزايد الخشونة دون احتساب مخالفات انفعل (عادل)-قلب الدفاع الثانى- ودخل بقوة مع احد لاعبى فريق الكومبوندات فقام الحكم بطرده مباشرة فأنفعل (عادل) اكثر وسار نحو الحكم ليصرخ فى وجهه:
-ما هو بيضربوا فينا من اول الماتش وانت مش عايز تحسب حاجة ولا هما علشان بسكويت ومش هيستحملوا وانت عمال ت....
فوضع (محمود) يده على فم (عادل) ليسكته واصطحبه لخارج الملعب تنفيذا لقرار الحكم واعتذر (محمود) للحكم وعادوا لاستكمال المبارة بعشرة لاعبين فقط وان كان الطرد أثر على فريق العشوائيات الا انه اخاف الفريق الاخر من تكرار اصابة فريق العشوائيات خوفا من ان يرد الفريق الاخر الاصابة مثلما فعل (عادل)، وبدأ الضغط واضحا على فريق العشوائيات ليقوم الحكم بعدها بأشهار بطاقة صفراء ظالمة ضد (بيبو) ليعترض (بيبو) على الانذار ليشهر الحكم البطاقة الصفراء الثانية ويطرده من الملعب ليكمل الفريق المبارة بتسعة لاعبين واستطاع فريق الكومبوندات فى ظل النقص العددى للفريق الضيف ان يحرز الهدف الثانى، ولم يضعف ذلك من عزيمة فريق العشوائيات وفى الدقيقة الخامسة والثمانين وقبل نهاية 
المبارة بخمس دقائق فقط استلم (سيف) مهاجم الفريق الكرة فى منتصف ملعب المنافس وبمهارته الكبيرة تجاوز لاعبين معا واقترب من حدود منطقة الجزاء وقام بالتمويه بأنه سيمرر الكرة الى (محمود) ولكنه تجاوز احد المدافعين وانطلق داخل منطقة الجزاء ومر من على يسار مدافع اخر ووضع المدافع الاخير فى ظهره وقام بمراوغة حارس المرمى واسكن الكرة الشباك ليعلن عن هدف التعادل بمجهود فردى ولم يجد الحكم بدا من احتساب الهدف وانتهى الوقت الاصلى بالتعادل ليحتكما بعدها الفريقان الى الوقت الاضافى فذهب الفريقان الى دكة الاحتياط للاستراحة قبل بدء الوقت الاضافى فجلس (محمود) مع لاعبيه وقال لهم:
-فاكرين يا رجالة لما قلتلكم مش مهم نكسب او نخسر علشان نيجى نلعب هنا تانى.
فأجاب الجميع:
-اه.
- انسوا كل الكلام ده احنا ان شاء الله لازم نكسب، علشان احنا بنلعب رجالة ضد الفريق المنافس وضد الجمهور وضد الحكم وبالرغم من كل ده مش عارفين يكسبونا، احنا لازم نكسب الماتش ده علشان الماتش ده هنعيش عليه بقية عمرنا، مفيش حد فينا عمره ما هيبقى لاعب كرة كل واحد فينا هيخلص تعليمه ويدور على اى شغلانة هما ممكن يبقوا لاعيبة كرة بفلوس اهاليهم واحنا مش هنعيش غير على ذكرى الماتش ده بعد عشرين او ثلاثين سنة هنقول لعيالنا اننا لعبنا ضد الفريق ده وكان معاهم الحكم وبرضه كسبناهم وهنعيش طول عمرنا نفكر بعض بالماتشده.
فسرت الحماسة بين اللاعبين ومع بداية الشوط الاضافى امتلات المدرجات على اخرها بسبب قوة المبارة ليتوافد اعضاء النادى فى المدرجات ولاحظ الجميع انحياز
الحكم للفريق المضيف ليطرد الحكم لاعبا اضافيا من فريق العشوائيات ليكملوا المبارة بثمانية لاعبين فقط ليدافع الفريق باستماتة لينتهى الشوط الاضافى الاول وبدأ كل من بالمدرجات بالتعاطف مع فريق العشوائيات الذى يقاتل ببسالة للخروج متعادلا على امل الوصول لضربات الجزاء وفى الدقيقة 118 وقبل نهاية المبارة بدقيقتين قطع (محمود) كرة من مهاجمى الفريق المضيف واستعد لهجمة مرتدة مكونة منه ومن (سيف) و(عصام) ولمح حارس المرمى متقدم خطوات قليلة وما ان اجتاز خط منتصف الملعب حتى ضرب الكرة (لوب) بقوة من منتصف الملعب    حوالى ستين ياردة- ليشاهدها الحارس تمر من فوقه ويحاول ان يرجع للخلف للحاق بها ولكن دون جدوى لتستقر الكرة بالشباك ليتقدم فريق العشوائيات بثلاثة اهداف مقابل هدفين ولم يستطع الحكم ان يغير فى نتيجة المبارة ليفوز فريق العشوائيات ووقف كل من فى الملعب والمدرجات وبداوا فى التصفيق للفريق بسبب كفاحهم واصرارهم على الفوز وبدا فريق العشوائيات فى الاحتفال بطريقة هيستيرية وظلوا يحتفلون حتى بعد ان وصلوا الى الشارع الذى يقطنوا به حتى الفجر.
تمت