الثلاثاء، 16 مايو 2017

العودة



العودة
-لقد عاد (ربيع).
انتشرت تلك الجملة فى الحى الشعبى كالنار فى الهشيم، فكان رجوع (ربيع) للحى القديم بعد اختفاء طال لست سنوات كاملة مفاجأة لم يتوقعها احد ، وكانت الجملة المتداولة على الالسنة فى ذلك الحى هى: (ربيع) رجع حاجة تانية خالص، ودائما ما كانت تصاحب تلك الجملة شعور واحد وهو الانبهار، ففى المقهى قال رجل لاخر:
-شفت (ربيع) رجع الشارع تانى ازاى؟
- سبحان العاطى بدون حساب.
- زى ما ظهر فى الشارع فجاة، زى ما اختفى فجأة من ست سنين زى ما رجع للشارع فجأة بس بحال غير الحال.
فقال الاخر وهو يسحب نفسا من الشيشة:
-فاكر لما ظهر فى الشارع فجاة وكان عنده حوالى 18 سنة وبقى جزء اساسى فى الشارع يقضى طلبات البيوت ، يشيل الخضار من الحريم وياخد جنيه او رغيف فيه غموس.
فعقب الرجل الاخر:
-فى اربع سنين مفيش محل او دكان فى الشارع الا واشتغل فيه، (ابراهيم الحلاق)، (محمود الكهربائى)، (كريم الميكانيكى)، (دكان شعبان)، حتى انه اشتغل عند (سلطان الحانوتى).
- بس الشارع صحى فى يوم على اختفاء الواد ويغيب ست سنين علشان يرجع زى ما رجع كده حاجة تانية خالص عربية وبدلة وفلوس ملهاش اول من اخر.
- متعرفش ايه اللى رفعه الرفعة دى؟
- مفيش غير المخدرات اللى ممكن تعدى الواحد بالسرعة دى.
فأقتحم شخص اخر بجوارهم الحديث وقال:
-مخدرات مين ده بيقولوا بيبيع سلاح للجماعات اياها.
فمر صبى القهوة من جانبهم وقال:
-لا ده انا سمعت حاجة تانية خالص بيقولوا ان القصة كلها اثار.
فأصبحت القهوة كلها فى حلقة كل من روادها يعطى تفسيرا على هواه لحالة الثراء التى ظهرت على (ربيع)، فقاطع ضجتهم صوت هادئا:
-السلام عليكم.
فالتفت الجميع الى مصدر الصوت ليجدوا (ربيع) واقفا بداخل القهوة مرتديا بدلة اعطته هيبة بالاضافة الى نظارة الشمس فهب جميع رواد القهوة مرددين بقوة:
-وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وبداوا فى الاندفاع نحوه فى ترحاب ومودة شديدتين حتى جلس وسطهم وكلا من الجالسين يحاول ان يستدرجه فى الكلام للحديث عن اعماله وبعد ربع ساعة مرت سيدة عجوز من امام القهوة فنهض (ربيع) وتوجه نحوها واخرج من جيبه الف جنيه وسلم على السيدة بحرارة وقال لها:
-ازيك يا حاجة اخبارك ايه؟
فتهلل وجهها فرحا برؤيته فوضع فى يدها الالف جنيه بينما هى تشكره بشدة فشاهد جميع من حوله ذلك الموقف ليعود بعدها الى القهوة وفى غضون دقائق انتشر ذلك الموقف فى ارجاء الحارة كلها وفى المساء اجتمع اهل الحارة كلهم على القهوة بينما جلس (ربيع) وسطهم وقد طلب من صبى القهوة ان يقدم مشروبات الحارة كلها على حسابه واثناء جلوسه معهم تجرأ احد الجالسين وسال (ربيع):
-انت ايه اللى رجعك؟
- بعد ما ربنا فتح عليا وعملت مشاريع فى كل مكان وربنا جعلنى سبب رزق واسع لناس كتير قلت لازم اهل حارتى يبقى ليهم نصيب فى الرزق الواسع ده.
فلمعت جميع العيون فى طمع وسال احدهم:
-ناوى تعمل ايه؟
- مشاريع كتير هنا فى الحارة و...
وقبل ان يكمل كلماته دخل شخص فى منتصف العقد الرابع غريب عن الحارة الى القهوة وتوجه نحو (ربيع) وقال له:
-(ربيع بيه).
فالتفت الجميع نحو قبل ان يقف (ربيع) ويصافح الرجل فى مودة وسط دهشة الجميع قبل ان يقول (ربيع) للرجل:
-اتفضل اقعد يا استاذ (على).
فجلس الرجل قبل ان يخرج (ربيع) شنطة بجواره ويفتحها امام الرجل ويقول له:
-دول مائة الف جنيه ، خمسين الف جنيه فلوسك وخمسين الف جنيه ارباحك عن عملية الخرفان بتاعت العيد الكبير.
فشكره الرجل بشدة قبل ان ينصرف لتسود حالة من الذهول فى القهوة قبل ان يقول احد الاشخاص:
-هو انت بتشتغل فى ايه يا (ربيع بيه).
- فى كل حاجة بعمل مشاريع فى كل حاجة بس مش بحب اكل لوحدى اى حد عزيز عليا بدخل شريك معايا علشان يرزق معايا يعنى الراجل اللى كان قاعد ده كان عنده بنت على وش جواز وعايز يجهزها وطلب خمسين الف جنيه سلف قلتله انا داخل على عملية فيشاركنى بدل ما يستلف وربنا يكرمنا مع بعض.
 فساد صمت رهيب فى القهوة قبل ان يكمل (ربيع):
-على دخلة العيد اللى فات سافرنا الصعيد واشترينا خرفان وبعناهم هنا وربنا كرم كل واحد فينا بخمسين الف جنيه مكسب، وكل ما ادخل مشروع ادخل حد من حبايبى معايا علشان ربنا يكرمه.
وبعد ان قص عليهم (ربيع) مشاريعه استاذنهم وانصرف وفى اليوم التالى ذهب اليه احد رجال الحارة ومعه عشرة الاف جنيه وطلب منه ان يدخله شريك فى اى مشروع من تلك المشاريع فلم يخيب (ربيع) رجاه واخذ منه المال وبعد اسبوع واحد اعاد اليه ثلاثين الف جنيه بفائدة 200% وانتشر الخبر فى الحارة وانهال اهل الحارة على (ربيع) يرجونه فى قبول المال منهم ليدخلهم مشاريع بها ولم يخيب رجاء اهل الحارة فأخذ من كل منهم المال ايا كان المبلغ بدءا من الف جنيه وحتى مائة الف جنيه ووعد الجميع بالمكاسب بعد ثلاثة اسابيع وبالرغم من مرور شهر لم يظهر (ربيع) فى الحارة حتى بدأ اهل الحارة فى البحث عنه فلم يعثروا عن ادنى اثر له وبينما الجميع يبحث عنه كان (ربيع) فى الطائرة برفقة (على) الذى اعطاه فى القهوة مبلغ المائة الف جنيه ليقول (على) والابتسامة لا ترافقه:
-بس حلوة الخطة دى يا كبير، الناس دى مغفلين.
فأبتسم (ربيع) وقال:
-لا مش مغفلين هما طماعين كل واحد فيهم كان معشم نفسه يطلعله بمبلغ كبير فى فترة قصيرة من غير مجهود طمعهم عماهم عن الواد (ربيع) اللى كانوا بيهينوه ويشتوه ويضربوه ويفتروا عليه من كام سنة واللى كل مكان اشتغل فيه كانوا بياكلوا حقه علشان غلبان بس لما رجع بعد كام سنة وعليه علامات العز بقى (ربيع بيه) انا لما سبت الحارة حلفت انى انتقم من اهلها كلهم فى يوم الايام وانتقمت.
- الله عليك يا كبير يا ابو دماغ ألماظ.
فأبتسم (ربيع) واغمض عينيه ليرتاح قليلا اثناء سفره للخارج.
تمت