الاثنين، 20 فبراير 2017

في بلاط صاحبة الجلالة



في بلاط صاحبة الجلالة
بدأ نجم (فهمي) يصعد منذ أن كان طالبا وتنبا الجميع له مستقبلا واعدا في مجال الصحافة وذلك في نهاية حقبة الثمانينات ولم يكن ذلك راجعا لذكاء أو إخلاص أو مهارة في بلاط صاحبة الجلالة وإنما إلى قدرته الجبارة إلى التقرب من صاحب سلطة ففي فترة دراسته الجامعية عمل عينا للأجهزة الأمنية على زملائه الطلبة ليخبرهم بأي تحرك أو نشاط طلابي وبعد تخرجه لم يتركه رجال الأمن وحيدا ليتم تعيينه في بداية التسعينات صحفي في إحدى الصحف القومية التابعة للدولة مضى في تلك الجريدة فترة كبيرة جاوزت السنتين وطوال تلك الفترة لم يتوقف (فهمي)عن أمرين أولهما كتابة التقارير عن زملائه وثانيهما وهو الأهم من وجهة نظره هو نفاق كل ذي سلطة بدءا من رئيس الجمهورية حتى أي شخص قد يدفعه للأمام وقد لاحظ جميع زملائه نشاطه في النفاق وفي نقل أخبارهم فأطلق البعض عليه لقب (العصفورة) بينما أطلق البعض الأخر عليه لقب (الطبال) وكان (فهمي) يعلم ذلك ويسمعه أينما ذهب ولكنه لم يعبأ به فكان يقول لنفسه:
-قولوا اللي تقولوا مش هتفرق معايا لما اوصل للي عايزه هقولكم طظ.
الكل ينفر منه إلا رئيس تحرير الجريدة التي يعمل الذي وجد فيه امتداد له وأيقنت بأن هذا الشاب سيكون رئيس تحرير لجريدة كبيرة بل وقد يصبح وزيرا مما جعله قريبا منه يرعاه حتى طلبه في إحدى المرات إلى مكتبه وقال له:
-اللحظة اللي انت مستنيها جت.
-خير يا افندم؟
-السيد رئيس الجمهورية قرر يعمل اجتماع مع شباب الصحفيين من الجرائد المختلفة.
فتسارعت دقات قلب(فهمي) وحاول أن يتحكم في انفعالاته قبل أن يكمل رئيس التحرير قائلا:
-وأنا رشحتك من الجورنال بتاعنا.
لم يستطع أن (فهمي) ان يكتم فرحته فما كان منه إلا أن انحنى ليقبل يد رئيس التحرير فقال الأخير:
-مفيش وقت للكلام ده المهم دلوقتي ازاي تستغل الفرصة.
فانتبه (فهمي) للكلام بشدة قبل أن يكمل رئيس التحرير:
-أنا مراهن عليك مش عايزك تبقى واحد حضر اجتماع مع الرئيس مرة وخلاص لازم المقابلة دي تغير حياتك انتوا هتبقوا خمسة وعشرين صحفي ولازم تطلع من الاجتماع والرئيس بيسال مين ده وصحفي في جريدة ايه وهقولك ده تعمله ازاي.
وفي يوم الاجتماع جلس (فهمي) مع باقي الصحفيين وبدأ الرئيس كلمته وقال الكلام المكرر في تلك المناسبات وما ان انهي كلمته حتى ضج التصفيق قبل أن يرفع (فهمي) يده فأذن الرئيس له ليقول كما أشار عليه رئيس التحرير بأن يعرض فكر وأفكار جديدة تتوافق مع أفكار الرئيس بالإضافة لمدح الرئيس وما ان انهي كلماته حتى أثنى الرئيس عليه وسأله الرئيس مجددا عن اسمه فتسارعت دقات قلب (فهمي) عندما همس الرئيس بكلمات لسكرتيره فايقن أنها بخصوصه وبدأ باقي الشباب في التباري لمدح الرئيس فيما غاص (فهمي) في مقعده وابتسم وقال للصحفيين في سره:
-خلاص مهما تقولوا الرئيس مش هيركز ولا هيفتكر غير أول واحد أتكلم.
وتاكد (فهمى) من ذلك عندما تحدث الرئيس مرة اخرى ومازحه بدعابة فضحك الجميع مجاملة للرئيس بينما طار (فهمى) من الفرحة ووجدها اجمل دعابة فى الدنيا وقتها حتي انتهى الاثناء لينطلق (فهمى) الى الجريدة ولم يستطع رئيس التحرير ان يكتم شغفه فأول ما ان وصل (فهمي) إلى مقر الجريدة حتى وجد رئيس التحرير في انتظاره أمام بوابتها ودون كلمة واحدة سحبه من يده ودخل به إلى الجريدة وعبر به أمام النظرات المتسائلة لكافة العاملين بالجريدة حتى وصل إلى مكتبه واجلسه أمامه وسأله بشغف:
-
قولي كل اللي حصل من أول ما وصلت.
فقص عليه كل ما حدث فتهللت اسارير رئيس التحرير ليقول :
-
استعد يا بطل لأهم جزء.
-
ايه مش كده خلاص.
-
لا المقالة اللي هتكتبها عن مقابلة الرئيس واللي هتتنشر على الصفحة الأولى بكرة على قد ما هتمدح في مقالة بكرة على قد ما تتوصل اسرع.
فلمعت عينا (فهمي) وقال:
-
ما تكتبلي الموضوع بأسلوبك يا استاذنا.
فابتسم رئيس التحرير وقال:
-
مينفعش لازم أنت اللي تكتبه علشان فيه ناس متخصصة في الرئاسة هتابع اللي هيتكتب وهيعرفوا من الأسلوب إذا كان الصحفي هو اللي كتبه ولا صحفي كبير هو اللي كتبهوله علشان يقيمه مستواكم بعد كده مين احسن واحد بيمدح الرئيس علشان ينفع النظام في المستقبل .
فشعر (فهمي) بالقلق وتساءل:
-
وكلام الرئيس معايا؟
-
الرئيس هيقرا موضوعك أول موضوع علشان مش هيفتكر غيرك لو عجبه المقال وأشاد به الناس اللي هتقراه يبقى مبروك عليك هتوصل للي عايزه في مدة قصيرة جدا اما لو معجبش الرئيس هيطلب من اللي قرأوا المواضيع يرشحولوا واحد تاني ووقتها هياخد مكانك وتروح عليك الفرص..
فنهض (فهمي) وقاطعه بحزم قائلا:
-
مش هيقرا مقال بعدي والمقال ده هيبقى اقوى مقال مدح للرئيس من أول ما تولى الحكم لحد دلوقتي.
جلس (فهمي) منكبا على الورقة والقلم لمدة ثلاث ساعات كاملة استحضر أمامه مستقبله ليخرج بمقال لا يستطيع شياطين الإنس والجن مجتمعين ان يكتبوا بنفس روعة ما كتبه عن الرئيس
ليخرج العنوان الذي اختاره في اليوم التالي على صدر الصحيفة (القائد الأب يفتح قلبه للصحفيين الشباب) وتناول في المقال عن ما شعر به عندما اقترب من شخص الرئيس والتواضع والحنو الذي لمسه في الرئيس والتجربة الفريدة بالحوار مع الشباب وإيمانه بقدراتهم وذكر (فهمي) في مقالته مواقف حدثت أثناء اللقاء وحس الدعابة الذي يتمتع به الرئيس كما ذكر مواقف لم تحدث من وحي خياله ولكنها تمجد الرئيس وترفع من شعبيته ، فظهرت المقالة بعظمة وحرفية لا يستطيع أن يكتب مثلها أحد حتى لو كان رئيس تحرير أو مجلس إدارة اعتاد أن ينافق من قرن، فاثار ذلك المقال إعجاب الرئيس حتى أنه قرائه مرتين وأشاد بذلك الفتى، فجاء رد الفعل على المقال سريعا بأن أصبح (فهمي)أصغر رئيس قسم في الصحافة كما طلب منه أن ينضم للحزب الحاكم لينضم بلا تردد وفي ظل الصعود السريع تزوج (فهمي) من ابنة استاذه ووالده الروحي رئيس التحرير، وبدأ يتوسع (فهمي) في النفاق بشكل أكبر وأقوى مما أدى إلى أن أصبح حماه رئيس مجلس إدارة الجريدة وأصبح هو رئيس التحرير بعد سنتين فقط وأصبح من الصحفيين المقربين للرئاسة ليصبح بعد خمس سنوات فقط رئيس مجلس إدارة جريدة كبرى لتزداد ثروته من سمسرة للاعلانات بالجريدة ورشاوي وهدايا ليصبح من اغنى أغنياء البلاد خلال خمس سنوات فقط حتى ان العاملين بالجريدة قالوا بأن يومه يساوي أربعين ألف جنيه وأنه إذا استمر في مكتبه حتى الرابعة عصرا فإنه لم يجمع المبلغ بعد واقترب أكثر من السلطة فشرف بكتابة بعض خطابات الرئيس بالإضافة للأحاديث الحصرية معه ومع قادة كبار على المستوى الإقليمي ففي عشرون عاما فقط أصبح أهم صحفي في مصر كلها إلا أن ذلك أن الحياة كانت وردية له فخاض معارك كبيرة مع شرفاء و منحطين مثله للحفاظ على موقعه ومكانته وواجه مشاكل خطيرة لعل أبرزها خيانة زوجته له مع صحفي شاب أصغر منها فشعر بالخوف أكثر من شعوره بالغضب وربما لم يغضب من الأساس ولكنه دعا ربه أن تظل علاقة زوجته بذلك الشاب طي الكتمان فوجد ان موقفه من خيانة زوجته هو نفس موقفه من مقالات النفاق التي يكتبها فالاثنين من وجه نظره لا عيب فيهما فانتظر فترة حتى استطاع عن طريق واسطة ان يبعد الشاب بالحاقه بعمل خارج البلاد، وكما دفع (فهمي) من مبادئه فتعامل مع الأخرين بنفس المبدأ فدخل في علاقات مع فتيات أردن منه خدمات مختلفة في العديد من المجالات فكان شعاره (لكل شئ ثمن) ومثلما دفع من شرفه وكرامته فعلى الآخرين أن يدفعوا أيضا فاكتسب حصانة بعلاقاته ونفوذه فحتى ابنه الذي تم ضبطه بمخدرات لم يصل المحضر للنيابة وتم إنهاء الأمر بشكل ودي ومع انضمام الصحفيين للفضائيات كان من أوائل من انضموا وعلم بقواعد اللعبة التأثير على الشارع تخويف الناس بمؤامرات تخوين أعدائه الشخصيين و الدفاع عن النظام والدفاع عن رجل الأعمال مالك القناة والذي يدفع الملايين سنويا فأصبح (فهمي) صوتا للدفاع عن اي نظام في السلطة حتى الآن.
                                     تمت