السبت، 31 مارس 2018

الفجوة

الفجوة
بعد ان تأنق (كريم) وضع مثبت الشعر على راسه وتطلع الى نفسه فى المراه فنظر الى قامته التى تميل الى الطول وبشرته الاقرب الى البيضاء فكان شكله مقبول فهو ليس بالمنفر او الجذاب وتحسس شعره فتسلل الرضا عن مظهره الى نفسه وانطلق من منزله الى موقف (امبابة) ليستقل احدى سيارات الاجرة المتجهة الى جامعة القاهرة وعبر بوابة الجامعة الى كلية التجارة عدد من اصدقائه ليبدأ بعدها عدد من الاصدقاء فى التوافد نحوهم لتبدأ الثقة او الرضا الذى تسلل الى (كريم) من قبل فى الاهتزاز مع وجود شعور بالترقب فكانت عيناه لا تتوقفان عن الالتفات والبحث يمينا ويسارا بحثا عن (ليلى) صديقته بالكلية الفتاة التى يحبها منذ ان راها لاول مرة من سنتين ولكنه لم يستطع ان يصارحها بذلك الحب خاصة وانه من اسرة تنتمى للطبقة المتوسطة ويدرك ان من اهم سمات تلك الطبقة عدم القدرة على تحقيق العديد من الاهداف فى وقت واحد فهو الان فى المرحلة الجامعية وان قدرة اسرته فى تلك المرحلة هى ان يستكمل تعليمه اما مساعدته على الارتباط فهو امر مستحيل فى الوقت الحالى فاسرته تنتظر منه ان يتخرج من جامعته ليعمل وبالتالى يسقط حمله من على  عاتقهم ليستطيعوا ان يكملوا مهمتهم مع اشقائه الاصغر منه ليبلغوا نفس مرحلته وبعدها قد يستطيعوا مساعدته فالزواج بالنسبة له امر يحتاج عشر سنوات بعد التخرج ليتمكن خلال تلك الفترة من الادخار ولتتفرغ اسرته لمساعدته هو يعلم ذلك ولكنه لا يستطيع ان يحكم على قلبه ان يتوقف عن حب (ليلى) وقد زاد من ارتباكه وتصميمه على عدم مصارحتها بحبه هى انها تنتمى لطبقة اجتماعية اكبر وبالتالى فهو يدرك ان مصارحتها بحبه سيترتب عليه رفض ذلك الحب والابتعاد عنه كصديق ايضا بالاضافة لمعرفة كل صديقاتها بحب الفتى الولهان للفتاة ابنة الاكابر وبالتالى سيعلم الاصدقاء من الفتيات بذلك الامر ايضا فأدرك ان الحكمة تقتضى الانتظار اما ان تحدث معجزة حتى موعد التخرج او ان يلقى بحبه او -قنبلته- لها فور التخرج، ظهرت امامه (ليلى) لتخرجه من افكاره فتطلع اليها مفتونا بخفتها فكانت مقبلة باسمة الثغر تلوح بيديها للاصدقاء فى مرح طفولى
ونظر الى عينيها السودواتان التى تكاد تضحك وانفها الصغير وقدمها المتوسط الذى قد يصل الى كتفه وشعرها الفاحم الناعم المسترسل على كتفيها، فوصلت الى الاصدقاء لتعانق الفتيات وتصافح الفتيان ليأخذ (كريم) دوره ليصافحها ليشعر بتسارع ضربات قلبه بينما تحول كفه الى قطعة من الثلج فقال (كريم) لنفسه:
-تبا انا احبك يا (ليلى).
فنظرت (ليلى) الى ساعتها وقالت:
-هيا لنحلق بالمحاضرة.
فقال (كريم) بحماس:
-نعم ان محاضرة اليوم فى غاية الاهمية.
لقد اعتاد الا يتحدث فى نقاش يدخل فيها الاصدقاء الا فى النقاش الذى تدلى فيه (ليلى) برأيها فيندفع فى ذلك النقاش محاولا فى معظم الاوقات ان يؤيد رأيها ليتقرب منها اكثر وقد دأب على الخروج مع اصدقائه طالما استطاع بسبب ظروفه المادية التى لا تجاريهم فى اغلب الاوقات فكان يعتذر عند سماعه لاسعار المطاعم التى سيذهبون اليها متعللا باى كذبة وبالرغم لمعرفته بالفارق كبير بين مستواه الاجتماعى والمستوى الاجتماعى لحبيبته ولكن المراهق الذى بداخله كان يقنعه باحتمالية تحقق المعجزة مثل التى تحدث فى الافلام العربية القديمة ودائما ما كان يحب ان يسمع من يقول ان الزواج هو نصيب كتبه الله للانسان مهما تباعدت المسافات بين الاشخاص وقد كانت احلام اليقظة له هى المتعة الحقيقية فى حياته فينتظر ان يخلو الى نفسه حتى تبدأ الخيالات فيحلم احيانا بانها تهيم به وتصارحها بحبه وفى تارة يحلم بانه ينقذها من خطر كبير فتذوب فى عشقه وتارة اخرى يحلم برفض اهلها له ولكنها تتمسك به، وقد كان حبها دافعا له للاجتهاد والتفوق حتى يتخرج وتكون له فرصة للارتباط ومرت السنة الاخيرة وقد تخرجا وفى حفلة التخرج ارتدى بدلته الجديدة وانتهز فرصة تواجدهما بمفردهما وقد تسارعت دقات قلبه واستجمع شجاعته وقال لها فى حرارة:
-(ليلى) انا بحبك.
صمتت (ليلى) وقد صعقت من المفاجاة فتمالكت نفسها بصعوبة وتصنعت ابتسامة وقالت:
-انا احترم مشاعرك جدا يا (كريم) واقدرها ولكنى مرتبطة بشخص اخر.
دارت الارض من حوله وشعر بالمرارة ممزوجة بالاحراج وقال بصوت مكسور:
-انا اسف.
فشجعته الاخيرة قائلة:
-لا تعتذر لايوجد مشكلة وسنظل اخوة واصدقاء كما اعتدنا.
 فوضعت يدها على يده فشعر كتيار كهربائى قد مسه وقالت:
-فلنذهب الى باقى الاصدقاء.
فأنزوى عن الجميع وحاول ان يهرب من النظر الى وجهها حتى انصرف الى منزله ليشعر بمرارة واسى وبعد عدة اشهر علم ان (ليلى) قد تم خطبتها الى وكيل نيابة فشاهد صور حفل خطوبتها عبر الفيسبوك وقد بدت اميرة من اميرات الحكايات كما كان خطيبها شابا وسيما ذو جسد ممشوق يبدو عليه الثراء فزادت تلك الصور من احزانه السابقة وجلس بمفرده فى المنزل احد الايام وقام لنفسه:
-هى تحب ان تستمع الى (كاظم الساهر).
فقام بتشغيل اغنية (انا وليلى) ونظر الى المراه وقال بصوت مرتفع:
-احمق وغبى فى ماذا كنت تفكر؟ ان تحبك لماذا؟ ما المميز فيك ايها الغبى الاحمق هل كانت تحبك ؟ لا ، كل انت وسيم؟ لا.
فسمع الاغنية قد وصلت الى المقطع الذى يقول (لو كنت ذا ترف ما كنتى رافضة حبى ولكن عسر الحال فقر الحال ضعف الحال مأساتى)، فبدات دموع (كريم) تتساقط من عينيه ليقول:
-وطبعا لست بصاحب منصب او غنى  لتوافق عليك كما ان اهلك لم يقصروا فى حقك فالله وحده اعلم ماذا فعلوا لكى تكمل دراستك وهم ليسوا مطالبين بأكثر من ذلك.
فأكمل (كريم) وقد ازدادت دموعه:
-هناك فرق كبير بين (امبابة) وشارع جامعة الدول العربية هل كنت تظن ان يضع والدها الطبيب المشهور فى يد والدك الموظف المكافح او ان تجلس والدتك لتفاصل والدتها فى من سيتحمل غرفة المعيشة ومن سيتحمل غرفة النوم هل رايت الفتى الذى خطبها هذا الفتى هو الاجدر بها من كافة النواحى هذا الفتى من سيجعل منها اميرة ليقول لها يا هانم، انا كنت اعلم ولكنى كنت اهرب من تلك الحقيقة ان المستقبل يبدو واضحا لى ولها ، فالمستقبل لها انها ستتزوج من ذلك الشاب بعد سنة على الاكثر وستنجب اطفالا جميلة سيكبرون ويصبحون ابناء سعادة البيه وسيدخلون مدارس اجنبية ويتخرجون منها ولن يتعبوا فى ان يجدوا الوظيفة او الزيجات فتلك المسألة محسومة اما مستقبلى فانى سأعمل واعمل واتحمل التعب والاهانة من اجل لقمة العيش اعمل فى وظيفة كبيرة ولن استطيع ان اسخط او اثور او يدفعنى السخط والذل ان اعمل فى امر محرم او مخالف للقانون بسبب التربية التى نشات عليها والتى تقوم على الخوف من الله الخوف من القانون والحكومة وسأنتظر اعواما لأتزوج احد الفتيات التى مضى العمر بهن مثلى وهن كثيرات مثل كثيرين منى وسأقنع نفسى انى احبها وهى ستقنع نفسها بانها تحبنى لانها فرصها وفرصى فى الزواج قليلة وسنكافح بشدة حتى يسير البيت بصعوبة وسننجب اطفالا يشبهوننا وسنقنع نفسنا باننا نلقنهم تعليما جيدا وسيتخرجون من مدارسهم وسيعانون لكى يعملوا وسيعانون اكثر ليتزوجوا وسيتم جرحهم لانهم لن يستطيعوا ان يتزوجوا ممن يحبونهم وتدور دائرة الحياة.
فمسح دموعه ونظر الى المراه وقال:
-هذه هى الحقيقة دون زيف ويجب ان اعمل على اساسها من الان.

تمت