الخميس، 22 يناير 2015

البيت المشبوه



البيت المشبوه
طرق رجل طويل القامة عريض المنكبين تعلو وجهه ابتسامة بشوشة هادئة وفى عينيه بريق مميز باب الشقة الكائنة بأحدى المناطق الراقية بالعاصمة ليفتح شاب فى اوائل الثلاثينات من عمره الباب ولكنه جعله مواربا ليسأل الطارق:
-اى خدمة؟
فأجاب الطارق بصوت وقور لم يخلو من الدفء:
-انا من طرف (الخضرى).
ففتح الشاب له الباب ليدخل الرجل ويغلق الشاب الباب لتستقبله امراه بيضاء ذات وجه لم يفقد جماله بمرور السنين وزاد من جمالها البنطلون الاسود الذى كشف عن جسد متناسق وبلوزة بيضاء بدت مناسبة واضافت لها حيوية خاصة خاصة عندما ابتسمت للضيف ابتسامة جميلة كشفت عن اسنان ناصعة البياض قبل ان تقول:
- شرفتنا.
فلم يجبها واكتفى بابتسامة هادئة فتطلعت له وتأملت وجه بدأ من شعره القصير الناعم والذى قام بارجاعه للخلف وعيناه اللتان تحملان لون البحر الصافى وانفه وفيمه الصغيرين وذقنه الصغيره فسرت فى جسدها رعشة خفيفة قبل ان تدعوه للجلوس على الانتريه وتسأله:
-تحبها ايه؟
- القهوة؟
فضحكت المرأة ضحكة ناعمة قبل ان تقول:
-لا مش القهوة، العروسة.
قال الرجل:
-ممكن اشوفهم الاول وبعدين اختار يا مدام...
فأكملت المراة:
-شرويت بس تقدر تقولى يا (شوشو) زى ما اصحابى ما بيقولولى، وطبعا ممكن اوريك العرايس اللى عندنا.
فأشارت للشاب الذى فتح الباب للضيف ليأتى بكل الفتيات الموجودات فى المكان وما ان انصرف الشاب لياتى بالفتيات حتى تطلعت (شوشو) للضيف فقد شعرت
بشىء مختلف فيه عن باقى الزبائن الذين يأتون لشقتها بحثا عن المتعة فما ان يدخل الزبون الى الشقة ومن نظرة واحدة اليه تستطيع (شوشو) بخبرتها كقوادة محترفة ان تعرف اى نوع من الفتيات يرغب الزبون وتاتى بها له،ولكن هذه المرة لم تستطع ان تعرف اى نوع يرغب ذلك الضيف الجديد على شقتها التى اشتهرت بالدعارة فى تلك المنطقة الراقية والتى يعتبر اكثرية روادها من طلبة الجامعة،
وقد لاحظ الضيف تطلع (شوشو) له فحاول ان يصرف نفسه بمشاهدة الشقة حتى ياتى الشاب بالفتيات ليختار بينهن، فوجدها شقة كبيرة ربما تكون شقتان ضمتهم (شوشو) الى بعض،وفى الصالة التى يجلس بها مساحة كبية فارغة من اى اثاث باستثناء الانتريه الذى يجلس عليه وانتريه اخر مجاور له وشاشة تلفزيون كبيرة معلقة على الحائط  وبينما يتطلع الى الشقة عاد الشاب بصحبة خمس فتيات من الخلف حيث ممر واسع يختفى وراء باب يعكس الضوء بحيث لا يستطيع من بالخارج ان يشاهد ما بالداخل واصطففن الفتيات الخمس امامه ليقف متطلعا اليهن
بينما وقفت (شوشو) خلفه مبتسمة بفخر لثقتها بجمال الفتيات،فنظرت الى الضيف لتجده يدقق النظر فى عينى الفتيات فشعرت لوهلة بالاندهاش فدائما ما يدقق الزبائن لديها بأجساد الفتيات، اما الفتيات فتمنت كلا منهن حتى الفتاة الروسية بقضاء تلك الليلة مع ذلك الرجل الذى يتطلع لهن ليس فقط من اجل الحصول على المال بل لاعجابهن به وبزرقة عينيه وجسده المتناسق ولولا التعليمات الصارمة من مدام (شوشو) لهن الخاصة باداب الدعارة لتشاجرت الفتيات على ذلك الرجل ولكن الفتيات تذكرن تعليمات مدام (شوشو) التى تتلخص فى عدم الشجار امام الزبائن وعدم ابداء اية مشاعر للزبون وعدم الاتيان باى من الحركات المبتذلة التى تظهر بها فتاة الدعارة فى السينما بل قامت مدام (شوشو) بتعليمهن الاداب العامة (الاتيكيت) فى الكلام والسلوك والحركة وعدم الخداع الا فى الفراش فالحالة الوحيدة التى اوجبت فيها مدام (شوشو) على الفتيات ان يقومن بخداع العميل هى اوهام الزبون بانه شديد البأس فى الفراش حيث دائما ما تصرخ الفتيات كذبا فى الفراش لاوهام الزبون بانه مكتمل الرجولة، حتى قطع الزبون افكارهم باشارته للفتاة البيضاء ذات الشعر الاسود التى ترتدى جيبة سوداء قصيرة وقميص ابيض وقال:
-انا اخترت البنت دى.
فقالت (شوشو):
-(لولو).
فأنسحبت باقى الفتيات فى خطوات مدروسة لتبقى الفتاة التى اختارها الضيف وتتقدم خطوة للامام قبل ان يسال الزبون (شوشو):
-كام؟
- خمسمائة جنيه فى الساعة.
فأخرج الزبون الاموال واعطاها ل(شوشو) التى فتحت الباب المودى للممر ولكنها توقفت فجأة كأنها تذكرت شيئا مهم وسألت الزبون:
-صحيح معرفتش اسمك؟
- (عبدالله).
وسار فى الممر برفقة (لولو) ليجد على يمينه ويساره غرف مغلقة ليستنشق رائحة عطور غالية الثمن قبل ان تفتح (لولو) احدى تلك الغرف ليدخلاها وتغلق الباب خلفهما.
بعد ساعة بالضبط خرج (عبدالله) ليبتسم ل(شوشو) فى امتنان ويودعها وسعدت (شوشو) بانضمام زبون جديد الى شقتها الا ان سعادتها لم تدم طويلا فبعد يومين اختفت (لولو) خرجت فى احد الايام من الشقة ولم تعد مرة اخرى بحثت (شوشو) عنها بواسطة رجالها ولكنهم لم يستطيعوا الوصول لها وبعد أسبوع بالضبط عاد (عبدالله) مرة اخرى للمنزل وطلب ان يختار بين الفتيات مثل المرة السابقة وتطلع الى أعين الفتيات واختار واحدة منهن ومثلما حدث المرة السابقة قام بدفع المبلغ لمدام (شوشو) ودخل مع (ريرى) الغرفة وقضيا فيها ساعة قبل ان يخرج الا انه بعد يومين اختفت (ريرى) وثارت (شوشو) غاضبة وقامت بسب كل من يعمل لديها
فقال الشاب الذى يعمل معها فى تردد:
-هو النحس اللى اسمه (عبدالله) بعد ما قضى ساعة مع (لولو) اختفت وبعد ما قضى ساعة مع (ريرى) اختفت هى كمان ده اكيد نحس.
جذبت تلك العبارة انتباه (شوشو) فربطت بين (عبدالله) واختفاء الفتاتين فقالت لنفسها ان ذلك الشخص ربما يجذب الفتيات اللاتى تعملن لديها للعمل فى شقة اخرى باعطاءهم مبلغ اضافى او بتاثير وسامته ولكنها لم تسلم بذلك فخافت ان تكون مجرد صدفة وان تخسر زبون جيد مثله فقالت للشاب الذى يعمل لديها:
-انا عايزة كاميرا تتحط فى الاوضة اللى هيبقى فيها اللى اسمه (عبدالله) فى مكان محدش يشوفه علشان اعرف هو زبون جاى علشان يقضى وقته مع البنات بس ولا هو اللى بيخليهم يهربوا من هنا.
بعد اربعة ايام جاء الى المنزل واستقبلته (شوشو) كعادتها بابتسامة ولكن هذه المرة كانت الابتسامة تحمل الكثير من الشكوك واختار (عبدالله) كعادته الفتاة التى ستدخل معه للغرفة وما ان قضى الساعة دون زيادة او نقصان ككل مرة وانصرف حتى اسرعت (شوشو) والشاب الذى يعمل لديها باحضار الكاميرا الموجودة بالغرفة التى كان بها (عبدالله) وبداوا فى مشاهدته الفيديو على الكمبيوتر فوجدوا (عبدالله) يسال الفتاة فى لين:
-اسمك الحقيقى ايه؟
- (هدى).
- اسمك حلو اوى يا (هدى).
فأخرج من جيبه خمسمائة جنيه ومد يده ليعطيها المال فنظرت له فى تردد وسالته:
-انتى بتدينى الفلوس دى ليه انت مش اديت الفلوس لمدام (شوشو).
- لا الفلوس دى ليكى انتى لوحدك ومش هقول ل(شوشو) انى اديتك فلوس.
فأخذت منه المال واستعدت لخلع ملابسها ولكن (عبدالله) استوقفها باشارة منه قائلا:
-لا انا فى الساعة دى عايز اتكلم معاكى بس.
فنظرت له فى دهشة قبل ان يضيف:
-انتى بتشتغلى الشغلانة دى ليه؟
- ظروفى صعبة وبصرف على عيلتى.
- وبتاخدى كام فى الشهر؟
- فى حدود سبع الاف جنيه.
- طب ليه متشتغليش حاجة بالحلال؟
- هشتغل بكام الف او الف وخمسمائة هيكفوا ايه ولا ايه وبعدين مين هيرضى يشغل واحدة....
- طب ايه رايك تعملى لنفسك مشروع؟
- مشروع ايه وهجيب فلوس المشروع منين؟
- اى مشروع تعرفى تشتغلى فيه وانا هديلك راس مال المشروع.
- بس....
- مفيش بس انجى بنفسك من النار واستغفرى وتوبى لربك.
ثم قال بصوت جميل ومرتل (بسم الله الرحمن الرحيم وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) ويقول تعالى ايضا فى كتابه (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً).
بدأت الدموع تنساب من عيناها قبل ان يكمل (عبدالله):
-ولا انتى مش خايفة من عذاب جهنم فى يوم الندم مفيش مكان له وبعدين لما تكبرى وجمالك يروح هتشتغلى ازاى فى الدعارة فتوبى.
فبدات فى البكاء وحاولت ان تكتم بكاءها حتى لا تسمعها مدام (شوشو) فنظر (عبدالله) لها وقال:
-لسه الفرصة فى ايديك سبانه وتعالى يقول فى كتابه العزيز بعد ذكر عقوبة الزانى(إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً).
فمسحت الفتاة دموعها وتعلقت امانيها بتلك الاية كأنها اعادت الحياة لها فتمتمت:
-بس الناس مش هتقبل توبتى ومش هيصدقوا انى فعلا خلاص مش هرجع للسكة دى تانى ومش هينسوا انا كنت ايه حتى لو بقيت شريفة ومفيش حد هيرضى يتجوز واحدة كانت شغالة فى الدعارة.
-مش مهم الناس تصدقك المهم ان رب الناس مصدقك يقول سبحانه وتعالى (قل يا عبادى الذين اسرفوا على انفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعا انه هو الغفور الرحيم) انا مش بقولك انك اول ما هتتوبى هتلاقى الناس كلها معاك وبتساعدك لا هتلاقى ناس بتشكك فيكى وبترفض توبتك وده هيبقى اختبار من ربنا ولازم تنجحى فيه وهتلاقى اللى مكنش مصدقك امبارح هيصدقك واللى كان ضدك هيشجعك ووجوازك مكتوب عند ربنا سبحانه وتعالى واسم جوزك واولادك  مكتوبين قبل ميلادك.
فحاولت تقبيل يديه ولكنه سحبها بسرعة فقال:
-اتفقنا.
فمسحت دموعها وقالت:
-اتفقنا.
واعطاها رقم هاتفه لتتصل به حتى ينسقا معا المشروع الذى ستقوم بعمله والذى سيقوم هو بتمويله وطلب منها ان تحاول فى اقناع زميلاتها بالتوبة الى الله، وكان هذا اخر ما التقطته الكاميرا وتابعته (شوشو) لتصرخ قائلة:
-يا ابن الكلب.
فخرجت من الغرفة التى شاهدت فيها هذا الفيديو برفقة الشاب الذى يعمل لديها حتى تلقن الفتاة درسا قاسيا ولكنها ما ان خرجت حتى لم تجد الفتاة ولم تجد أية فتاة ممن تعملن لديها فى المنزل فقد اقنعتهم الفتاة بمغادرة ذلك البيت المشبوه بغير رجعة ليبداوا حياة جديدة شريفة طاهرة.
تمت
بسم الله الرحمن الرحيم (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا* إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) صدق الله العظيم
 
 
 
 




السبت، 3 يناير 2015

الاضراب


الاضراب
اقبل جميع العمال على نائب المدير الذى وقف فى مكان اعلى بقامته النحيلة ومن حين لاخر يثبت النظارة على عينيه بيده، ليقول بصوت حاول ان يبدو حاسما:
-صدر قرار بزيادة عدد ساعات العمل لمدة ساعة اضافية لتعويض التاخير ورفع مستوى الانتاج.
فصاح احد العمال المخضرمين:
-بس قانون العمل بيلزم صاحب العمل عدم تشغيل العمال لاكثر من ثمان ساعات.
فنظر نائب المدير له فى استهزاء قبل ان يقول فى سخرية:
-قانون العمل! برده قانون العمل اتاح زيادة عدد ساعات العمل فى حالة الضرورة
والادارة اعتبرت الفترة اللى احنا فيها حالة ضرورة.
فقال العامل فى عناد:
-والقانون بيشترط على التعويض فى حالة العمل لاكتر من ثمان ساعات.
فقال نائب المدير فى تحد:
-اشتكى فى المحكمة.
فوجم الجميع لما قاله نائب المدير قبل ان يكمل فى سخرية:
-وفرصة ان القانون بيدى للعمال حق رفع القضايا بتاعتهم بدون مصاريف بشكل مجانى بس اللى هيعمل كده المصنع هيستغنى عنه.
همهم جميع العمال بكلمات غاضبة بسبب السخرية من احد كبار العمال والذى يحوز على احترامهم ليصيح احد شباب العمال فى غضب:
-بس المصنع محقق ارباح كبيرة واكبر من ارباح السنة اللى فاتت.
- الارباح المتحققة ضعيفة من وجهة نظر الادارة وبنطمح لارباح اكبر وفى اطار توفير النفقات وخطة التجديد والتطوير تم الاستغناء عن عدد من العمال بالاضافة الى احالة اخرين للمعاش المبكر وتم تسليمهم جميعا الاستغناء الخاص بهم وبالنسبة لمن احيل للمعاش تم صرف مكافاة نهاية الخدمة لهم.
بدأ العمال فى النقاش بصوت عالى وغاضب ورافض لتلك الاجراءات ليكمل نائب المدير بطريقة حاسمة انهى فيها كلامه:
-واللى عنده اعتراض على مد فترة العمل دون مقابل يقدر يقدم استقالته واللى هيمتنع عن العمل او يعترض هيتم فصله فصل نهائى لا رجعة فيه.
ليصمت الجميع ليتطلع نائب المدير لهم بطريقة مستفزة وفى تحد سافر منتظر ان يعقب عليه احد العمال او ان يرفض القرار ليقوم بفصله فى الحال ليكون عبرة للاخرين ولكن الجميع العمال نظروا الى بعضهم منظرين ان يقوم احدهم بالاعتراض للانضمام اليه ولكن لم يجرؤ احد منهم ان يشعل فتيل الاعتراض خاصة وقد وضع كل منهم اسرته والتزاماته نصب عينيه ليخفض الجميع رؤوسهم
و جروا اقدامهم لخارج المصنع حتى ما بداوا الاستعداد للانصراف وكل منهم لا يريد فى الواقع العودة لمنزله حتى صاح بهم (حلمى)وهو احد العمال الشباب المتحمس وابن لاحد العمال الذين عاشوا النهضة الصناعية فترة الوزير (عزيز صدقى) فى عهد الرئيس (جمال عبد الناصر) وطالما حكى له والده عن النقلة الصناعة التى واكبها وعن حقوق العمال وتأثر بذلك تاثر شديد:
-احنا هنسكت على الظلم ده؟
فأجاب احد العمال:
-فى ايه نقدر نعمله؟
- نقدر نعمل كتير تعالوا يا رجالة على القهوة.
سار معه العمال منهم من هو مصمم على اتيان اى فعل ضد ذلك القرار ومنهم من استولى الخوف على قلبه وذهب معهم لتهدئتهم حتى لا ياتوا فعلا من شأنه ان يعاقبوا جميعا به عقابا جماعيا ومنهم من ذهب دون ان يكون له قرار فقط ذهب ليفعل كما سيفعل الباقين حتى جلسوا جميعا فى المقهى وتطلعوا الى (حلمى) الذى قال فى حماسة:
-احنا مش لازم نسكت انا ممكن نرفع قضية قصاد المحكمة بسبب الساعة الزيادة واكيد هيتحكملنا زى عم (سيد) ما قال اننا المفروض نشتغل ثمان ساعات.
فقال (سيد):
-هيتحكملك اه بس هيفصلوا اللى هيرفع القضية، القانون اداك حق انك تعترض على مخالفته بس مش هيحميك من الفصل التعسفى هيتصرفلك شهرين ثلاثة بس فى الاخر هتتفصل مين ممكن يرفع القضية باسمه ويتفصل علشان الباقى ميتطبقش على الباقى.
فلاذ الجميع بالصمت قبل ان يقول (حلمى):
-ممكن نرفعها كلنا باسمنا وساعتها مش هيقدروا يفصلونا كلنا.
فقال عامل شعر بخوف شديد:
-انت بتقول كده علشان معندكش مسئوليات بس كل واحد مننا عنده مسئوليات.
- مفيش واحد معندوش مسئوليات والا مكنش اشتغل انا عندى بيت وبنت عمرها سنتين وأم بصرف عليها بس مش قابل الظلم.
فقال احد العمال من المغلوبين على امرهم:
-احنا نطاطى للريح وبعدين احنا عندنا مزايا يعنى مثلا اننا متأمن علينا.
- متأمن علينا؟!مش عم (شاكر) لما وقع محدش سأل عليه وطلع التأمين بتاع المصنع نصب ومحدش صرف على علاجه.
فقال (سيد) فى حسم:
-رأيك نعمل ايه يا (حلمى)؟
اخذ (حلمى) نفسا عميقا قبل ان يقول:
-اضراب.
ردد العمال الكلمة فى رهبة وخوف قبل ان يشرح (حلمى):
-المصنع دلوقتى ملتزم بتسليم طلبيات يعنى لو وقفنا الشغل لغاية ما تتحقق
مطالبنا لازم يرضخوا لمطالبنا والا تتوقع عليهم شروط جزائية كبيرة وساعتها مش هيقدروا يفصلوا العمال كلهم لانهم مش هيقدروا يقفوا قصاد كل العمال دى فى المحاكم وكمان الناس اللى المفروض يتورد لهم الطلبيات.
صمت الجميع منتظرين ان يقوم شخص بتأييد او رفض ما قاله (حلمى) حتى قال (سيد) كلمته بما له من مكانة بين العمال:
-خلاص بكره انشاء الله نروح المصنع وهنحط الطلبات بتاعتنا فى ورقة كبيرة مكان ورقة قرار زيادة ساعات العمل متوقع عليها باسم عمال المصنع كلهم والالات مش هتشتغل غير لما يوافق على مطالبنا ومفيش حاجة اسمها نختار من العمال اللى يمثلنا احنا لينا طلبات محددة ولازم يتوافق عليها.
صمت الجميع وعادوا الى منازلهم وهم متحمسون وان كان خوفهم اكبر من حماسهم وفى اليوم التالى ذهبوا الى العمل وتجاوزت الساعة التاسعة ولم تشتغل الة واحدة وجلس العمال فى باة المصنع حتى جاء اليهم نائب المدير ليسالهم بغلظة:
- اتاخرتم عن الشغل ساعة كاملة ليه؟
فترددوا حتى قال (حلمى):
-رافضين القرار بالاضافة الى ان عندنا طلبات.
- طلبات ايه؟
فأشار الى الورقة التى كتبها العمال ليقرأها نائب المدير ليقول:
-ابداوا شغل وهندرسها.
- اسفين مش هنشتغل غير لما طلباتنا تتحقق.
- اللى مش هيشتغل خلال خمس دقائق هيتم الاستغناء عنه.
جلس العمال القرفصاء ولم ينصاع احد لتهديده قبل ان يهرول للمدير كالكلب المطيع ليبلغه بما حدث ليخرج المدير بنفسه للعمال وهى احدى المرات القلائل التى يخرج بنفسه بعد ان ادرك خطورة الامر ليقول للعمال:
-ازاى الشغل يقف فى المصنع؟
فقال (سيد) فى احترام:
- عندنا طلبات يا افندم؟
فصاح نائب المدير:
-مفيش حاجة اسمها طلبات اللى مش عاجبه يغور فى داهية.
فقال المدير لنائبه بغضب:
-اسكت متقولش الكلام ده العمال هما اللى شايلين المصنع على اكتافهم والمصنع ده مصنعهم قبل ما يكون مصنعى.
فصفق جميع العمال للمدير قبل ان يكمل الاخير:
-خير يا اولاد انا زى والدكم ايه مطالبكم؟
فقال (حلمى):
-اننا نلغى قرار العمل لساعة اضافية.
- ساعة اضافية؟ مين اللى طلع القرار ده؟
فقال نائبه:
-انا يا افندم قلت ان حاجة العمل....
فقاطعه المدير:
-ازاى تطلع قرار زى ده؟ لا طبعا القرار ده لازم يتلغى.
فصفق العمال مرة اخرى قبل ان يسال:
-ايه طلباتكم تانى؟
- الحوافز متاخرة يا افندم، والتامينات كمان مش جدية.
- قرار بصرف الحوافز المتاخرة اخر الشهر مع المرتب والتامينات المشكلة مع الوزارة مش عندنا وانا كلفت المسئول عن الشئون القانونية بمتابعة الموقف.
بدأ العمال فى الهتاف باسم المدير قبل ان يطلب منهم ان يعودوا لعملهم ليستجيبوا له قبل ان يميل (حلمى) على عدد من رفاقه ويقول:
-المفروض كنا اخدنا ضمانات ومكتفناش بالكلام.
ليبدأ العمال فى الهجوم على (حلمى) ليقولوا:
-عيب يا (حلمى) ده زى ابونا ومش معقول يكدب علينا.
- وبعدين ده مكانش عارف بالقرار اللى كان طلع واول ما عرف لغاه.
- احنا مكناش نحلم باللى احنا وصلنا له مش بعد كل ده وعلشان الراجل كويس معانا نستغله.
فصمت (حلمى) وعاد لعمله، وفى نفس الوقت كان المدير يجلس مع نائبه ليسال الاخير فى حيرة:
-انا مش فاهم حضرتك عملت كده ليه؟ وادعيت ليه انك متعرفش بالقرار مع ان حضرتك اللى اصدرت القرار بنفسك؟
- القرار هيطبق،لما كانوا مع بعض مكناش هنقدر عليهم وممكن ندخل فى مشاكل بسبب اضرابهم بس دلوقتى رجعوا يشتغلوا ولسه قصادنا لغاية اخر الشهر ومفيهاش حاجة لو قرار مد ساعات العمل اتاخر شهر احسن ما يشتغلوش خالص.
- حضرتك هتطبق القرار ازاى ومش هتصرف الحوافز ازاى؟
فأبتسم المدير وقال:
-هتعرف ازاى.
وفى منتصف الشهر اصدر المدير قرار بفصل (حلمى) باعتباره من المحرضين على الشغب بالمصنع وانتظر (حلمى) من زملائه العمال ان ينتفضوا ليعلنوا الاضراب ولكن كل منهم خاف على نفسه وما كان منهم الا ان استمروا فى العمل وفى نهاية الشهر اعاد المدير القرار والذى سبق وان اتخذه بزيادة عدد ساعات العمل ولم يقم بعمل جديد فى التامينات وقام بصرف ربع الحوافز فقط، ليصمت الجميع حتى لا يكون مصيرهم كمصير (حلمى).
تمت