الأحد، 23 مارس 2014

المجذوب



المجذوب
فى احد الايام وجد اهالى احدى القرى المنغلقة على نفسها فى صعيد (مصر) بينهم شابا فى الخامسة والثلاثين من عمره ذو ثياب رثة ويبدو عليه غير مدرك لما حوله ويحمل فى يده سبحة وطريقة كلامه متقطعة بحيث يذكرك بالمجذوب الذى يظهر فى الافلام القديمة،حاول أهل القرية فى البداية ان يعلموا من هو أو من يريد ولكن دون جدوى حتى اصبح وجوده فى القرية معتادا فيختفى لمدة يومين او ثلاثة ويظهر فجاة بدون مقدمات فأحيانا يفاجئون به فى السوق او المسجد او المقهى فلا احد يعلم اين ينام وأطلقوا عليه فى القرية أسم (عبدالله)بعدما فشلوا فى معرفة شخصيته وظلت الامر تسير بشكل طبيعى فى القرية لمدة شهر منذ وصول هذا الشاب الى القرية حتى حدثت الحادثة الاولى والتى لم ينتبه اليها احد حينما كان (عبدالله)يحمل
احدى الحقائب المملوكة للحاج(بدوى)احد الاعيان بالقرية وأدخلها الى منزله فأمر الحاج (بدوى)باعداد طعام ل(عبدالله)الذى استوقفته زهرية بداخلها الورود فأقتربت الخادمة من (عبدالله)وقالت له:
-بتبص للزهرية ليه يا واد يا(عبدالله) هى عجباك؟
فأجاب (عبدالله)فى تلعثم كعادته:
-اخدت شر راحت.
- انت بتقول ايه؟
- اخدت شر بيت راحت.
فناولته رغيف به لحمة وقالت:
- طب امسك الاكل ده وامشى من هنا.
واثناء اجتماع عدد من رجال القرية فى حديقة بيت الحاج (بدوى)ليلا سمعوا صوت شيئا تم كسره بالصالة فدخلوا الى هناك ليجدوا الزهرية مكسورة،فمر الامر عادى على الرجال ولكن بالنسبة للخادمة تذكرت ما قاله (عبدالله)صباحا خاصة عندما سمعت الدكتور (طارق)-الطبيب بالوحدة الصحية-يقول:
-معلش يا حاج اخدت الشر وراحت.
كان من الممكن ان تعتبر الخادمة ذلك من قبيل الصدفة لولا الحادثة الثانية والتى علم بها هذه المرة كل أهل القرية عندما ظهر (عبدالله)فى وسط القرية وكان يسير كأنه يعلم الى أين يتجه بالضبط فوقف امام (على)-الذى يدرس بالقاهرة فى احدى الكليات-فتسائل الاخير عندما قام (عبدالله)بقطع الطريق عليه:
-عايز حاجة يا(عبدالله)؟
فلما لم يجبه (عبدالله)أخرج (على)خمسة جنيه ليعطيها ل(عبدالله)ولكنه رفض اخذ الاموال وقال بتلعثم:
-مبروك.
- على ايه يا (عبدالله)؟!
فكرر (عبدالله):
-مبروك.
- ايوه مبروك على ايه؟!
- مبروك نتيجة نجحت.
فشعر (على)بالدهشة لما سمعه من (عبدالله)فحاول ان يستفسر منه عما يعنيه وكيف علم بعقله هذا عن نتيجته وانه ينتظرها فلم يستطع ان يعلم منه شيئا اخر فلم يعر (على)الامر اهتماما وبعد يومين ظهرت النتيجة لتعلن عن نجاح (على)الذى اخبر ابيه وامه بما قاله له (عبدالله)وقوله لابيه وامه بتلك الواقعة كان كفيلا بأنتشار الخبر فى البلدة كلها لتخبر بعدها خادمة (الحاج بدوى)بالواقعة التى تمت وتنبأ فيها (عبدالله)بكسر الزهرية والتى تحققت مساء نفس اليوم ليتحول (عبدالله)بين ليلة وضحاها من (الوادعبدالله)الى (الشيخ عبدالله) ولكنه اثناء بحث القرية كلها عنه كان قد اختفى فتركوا رجال القرية عملهم وأشغالهم وأخذوا يبحثون عنه دون جدوى ليظهر وحده بعدها كما أختفى وحده ليبدأ كبار اعيان القرية فى محاولة معرفة اى بشرة منه ولكنه لم يتحدث حتى ظنوا ان كل ما قاله كان مجرد صدفه وان الناس هى التى قد صنعت منه تلك الهالة والاساطير التى قيلت عنه فتركوه كما كان وكادوا ان يهملوه كما ذى قبل لولا ان أستوقف فى احد الايام والد فتاة اسمها (فاتن)فى الشارع كما فعل من قبل مع (على)وقال له:
-(فاتن)عريس لا.
فشعر الرجل بقلق ودهشة وقسال:
-بتقول ايه يا (شيخ عبدالله)؟!
- (فاتن)عريس لا.
- عريس ايه يا (شيخ عبدالله)ده (فاتن)ماجلهاش عرسان.
فتركه (عبدالله)فى حيرته وأنصرف ليفاجىء والد(فاتن)بعدها بيومين بعريس دق بابه ليتزوج ابنته،وساد الفرح فى منزله ولكنه وحده شعر بالقلق فسألته زوجته:
-فى ايه يا أبو (فاتن)انت المفروض تبقى اسعد واد فى الدنيا علشان المهندس اللى عايز يتجوز بنتك.
- (عبدالله)من يومين قالى ان فيه عريس هيتقدم لبنتك.
- (الشيخ عبدالله) قالك كده؟
- اه.
- ده راجل مكشوف عنه الحجاب بس ده اللى قالقك؟
- لا اللى قلقنى انه قالى عريس (فاتن)لا يعنى بيقولى ما اوافقش عليه.
فشعرت المراة بغصة وقالت:
-بس ده عريس لقطة ده مهندس.
- انتى مش لسه قايلة (الشيخ عبدالله)مكشوف عنه الحجاب؟
- طب احنا نسأل عن العريس وبعدين نشوف.
فتوجه الرجل الى الدكتور (طارق)-وهو طبيب شاب فى منتصف الثلاثينات من القاهرة ويعمل فى تلك القرية-وتبادلا المجاملات قبل ان يقول الرجل:
-كنت عايز اطلب منك حاجة يا دكتور.
- اؤمر يا حاج.
- كان  فيه عريس من (مصر)متقدم لبنتى وكنا عايزين نسأل عنه وأنت عارف اننا مالناش حد فى (مصر)وانت الوحيد اللى فى البلد من (مصر).
- تحت امرك يا حاج وانشاء الله ربنا يتمم بخير.
- ربنا يكرمك يا دكتور.
فقام الرجل باعطاء اسم الشاب الى الدكتور الذى عاد اليه بعد أسبوع وقال له فى شىء من الحرج:
-أنا أسف يا حاج كنت عايز اجيبلك اخبار كويسة بس العريس يعنى عامل مشاكل كبيرة ومتورط فى قضايا نصب.
فشكره الرجل على تعبه وعاد الى زوجته وأخبرها بما تم لتعود أسطورة (الشيخ عبدالله)مرة اخرى الى القرية التى بدأت بالاهتمام به مرة اخرى ولكن ظلت محاولات الناس فى التقاط بعض الكلمات منه مستحيلة اذ تأتى تلك الحالة الخاصة فى لحظة معينة بدون ترتيب وحتى دون ان يسعى شخص الى المعرفة فهى مجرد كلمات يتكشف عنها حقائق بعد ايام قليلة حتى فجر(عبدالله)فى احد الايام مفاجاة عندما وقف فى وسط السوق وقال مخاطبا لا احد بصوت جهورى:
-العمدة القمح المخازن.
فأنتشر الخبر بين البلد كلها فالكلمات التى قالها الرجل لا تحتاج جهد كبير لتفسيرها فهى تعنى ان مخزن الغلال الذى يتم منه توزيع منه القمح الذى سرق وتم تسجيل المحضر ضد مجهول من قام بسرقته هو العمدة الكل تهامس فى الموضوع ولم يجرؤ احد عن التحدث فيه فى مكان عام لانهم يعلمون العمدة وقسوته فهو يكاد يسيطر على البلد بالحديد والنار وهو يحوز لدى الحكومة ثقة عمياء وبالتالى لا مجال لشكوته فيما يرتكبه من جرائم متمثلة فى سرقة ونهب وفرض اتاوات وشراكة بالجبر وترهيب ووصلت فى بعض الاحيان الى قتل وتقيد القضايا ضد مجهول بينما البلدة كلها تعلم ان الجانى هو العمدة دون ان يكون لديهم القدرة على قول ذلك حتى وصل الهمس الى دار العمدة ذاته الذى استشاط غضبا مما سمعه فكان قد سمع بكرامات (عبدالله)ولكن لم يتخيل بانه سيقوم بفضح امره فأمر رجاله بأحضار (عبدالله)مقيدا امامه ولكن كالعادة لم يعثر له على ادنى أثر وفى اليوم التالى مساء حيث كان العمدة فى نوم عميق سمع حركة فأستيقظ ليجد (عبدالله)امامه مباشرة فشعر برعبا شديد ولكنه تمالك نفسه وقال بعصبية:
-انت دخلت هنا ازاى؟
- عمدة بيت كنز.
- كنز؟
فردد (عبدالله):
- عمدة بيت كنز.
- قصدك ان فيه هنا كنز.
ولم يستطع ان يستخلص منه كلمة واحدة وحاول ان يعلم منه اى شى خلال الايام التالية حتى فوجى ب(عبدالله)يقول:
-جن (مسعد).
ففسر العمدة الجملة سريعا فى ان(مسعد)-الشهير بتسخير الجان وتحضير الارواح-
هو القادر على استخراج الكنز فأرسل فى طلبه وما ان وصل (مسعد)حتى سأله العمدة فى حذر:
-انت عارف انا بعتلك ليه يا (مسعد)؟
- علشان الكنز اللى فى السرايا.
فأرتد العمدة للخلف وتسائل فى دهشة:
-انت عرفت ازاى؟
فأبتسم (مسعد)ولم يجب فسأله العمدة:
-تقدر تعرف هو فين؟
- اه بس نتفق الاول يا عمده.
- اللى تطلبه.
- الكنز ده يا عمدة عبارة عن ذهب فراعنة واثار مدفون فى جزء معين فى البيت.
- طب فين؟
- مليون جنيه قبل ما أبدا.
- كام؟
- مليون جنيه يا عمدة،الذهب يا عمده ثمنه لوحده خمسة مليون جنيه غير الاثار.
 فقال العمدة فى جشع:
-موافق.
- هتفضيلى اوضة فى الدور الارضى هقعد فيها ليلتين كاملين محدش يقرب منها غير واحد يحط الاكل قصاد الباب ويمشى وما يلتفتش وراه.
- حاضر.
- حضر الفلوس وانا هبدأ انهاردة.
وبالفعل سحب العمدة مليون جنيه من البنك ونقدها ل(مسعد)بينما اختفى (عبدالله)فى تلك الاثناء كعادته دون ان يجده احد وتوجه (مسعد)الى منزل العمدة ومعه حقائب مغلقة بها الاشياء التى سيعمل بها على تسخير الجان كما قال للعمدة وقضى الليلتين فى الغرفة ولم يخرج منها وفى النهاية أشار الى بقعة معينة ليأمر العمدة رجاله بالتكسير والحفر بها ولكن ما ان بدأ الرجال فى التكسير حتى فوجىء الموجودين بقوة من الشرطة تقتحم المكان ليسأل العمدة أكبرهم رتبة فى قوة:
-فى ايه يا حضرة الظابط؟
- معانا امر بالتفتيش يا حضرة العمدة.
- تفتيش بيت العمدة انت عارف انت بتقول ايه انا بتليفون انقلك وبعدين عايز تفتش عن ايه؟
- مخدرات.
وأمر رجاله بالتفتيش ليعود أحدهم بحقيبة من الحجرة التى كان فيها (مسعد)وبفتحها
وجدوا كمية من المخدرات ليقتادوا العمدة الى القسم وهو فى حالة ذهول ويتوعد بالانتقام من ظابط الشرطة،وبعدها بأسبوع فى القاهرة طرق (مسعد)باب شقة فى (السيدة زينب)ليفتح الدكتور(طارق)له باب ويقول له:
-أتاخرت ليه ده انا و(حسام)مستنينك من بدرى.
فعانقه (مسعد)وقال له:
- معلش الطريق زحمة.
ودخل ليعانق (حسام)الذى لم يكن سوى (عبدالله)ولكن بملابس نظيفة ويبدو اكثر وسامة خاصة مع تلك الابتسامة التى على وجه ليسأل:
-ايه اللى حصل مع العمدة؟
- اخد تجديد اربع ايام على ذمة القضية.
- يستاهل.
فضحك الدكتور (طارق) وهو يقول:
-كل ما افتكر منظرك يا (حسام)وانت عامل نفسك مجذوب اقعد اضحك.
- بس بذمتك مش ممثل كبير.
- طبعا يظهر ان معهد السينما اللى انت دخلته عمل منك ممثل كبير ده انا نفسى اخوك كنت هصدق انك مجذوب.
- انت أول ما قلتلى ان العمدة بتاع البلد اللى انت شغال فيها طلب منك تبصم مريض عندك مش فى وعيه على ورق بيع ارض ولما انت رفضت أجر بلطجية وضربوك وكانوا هيموتوك وهددك بعدها انه هيضيع مستقبلك وهيلفقلك تهمة سبت كل حاجة وقلت ألحق أخويا وانتقمله من الراجل ده.
فقال (مسعد):
-بس الفكرة كانت عبقرية،بس انتوا خلتوا الناس تصدق ازاى انك مبروك؟
فقال الدكتور (طارق):
-فى بيت الحاج (بدوى)فى الليلة اللى كنا ساهرنين عنده انا استاذنت انى ادخل الحمام وخليت الزهرية اللى (حسام) قال انها هتقع على الحرف بحيث تقع ولما لقيت الشغالة جت علشان تنضف مكان الزهرية قلت نفس الجملة اللى قالها (حسام)،اما بالنسبة ل(على)خليت حد يجيب النتيجة بتاعته من الكنترول قبل ما تنزل و(فاتن)العريس اللى اتقدملها واحد صاحبى من القاهرة وهو اللى كان بيخدمنى ولما ابوها سألنى عنه قولتله ان اخلاقه وحشة ومخزن القمح الكل كان عارف ان العمدة هو اللى سرق بس خايفين يتكلموا غير الناس نفسها بدأت تردد حكايات أساطير عن (حسام)والمخدرات اللى انت حطتها فى الشنطة واتفقنا معاك علشان ترسم دورك على العمدة ورسيناك على كذبة الكنز علشان تنتقم لأبوك اللى مات بالقهر بعد ما العمدة سرق أرضه وجبنا المخدرات وانت سبتها فى اوضة العمدة والبوليس لقاها هناك.
فعقب (حسام)ضاحكا:
-الحمد لله انى كل ما كنت أختفى منهم محدش يتخيل انى كنت بأروح انام عند (طارق)فى شقته.
- بس ازاى العمدة مفكرش انى فعلا لو عارف مكان الكنز وبسخر جن كنت اخدت انا الكنز لنفسى بدل ما أدله عليه؟
- الطمع مفيش نصاب يقدر يضحك على حد غير لما يكون طماع تلاقيه قال انك تعرف مكان الكنز بس متقدرش تاخده علشان الكنز فى بيته فهترضى بمبلغ زى ده.
فتسائل (مسعد):
-والفلوس؟
- كل اللى العمدة سرقهم او اخد حقهم رجعلهم حقهم من فلوسه واتبقى مبلغ مش بطال هنوزعه علينا احنا الثلاثة بالنسبة لك تقدر تبدأ بالمبلغ بتاعك مشروع كويس هنا فى (القاهرة) علشان مينفعش ترجع البلد تانى و(حسام)أخويا محدش هيعرفه بعد ما خرج من شخصية (عبدالله) وهوأصلا مش هيروح البلد تانى وأنا هرجع البلد عادى علشان محدش يشك وبعد أسبوعين هقدم على طلب نقل (للقاهرة)وأفتح عيادة بنصيبى من الفلوس وحلال على العمدة المؤبد اللى هيلبسه من المخدرات واهى عقوبة على الجرايم اللى ارتكبها وما أتحسبش عليها.
تمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق