الأحد، 16 مارس 2014

الاسماعيلية...1952



الاسماعيلية...1952
لم يكن صباح يوم الخامس والعشرين من يناير عام 1952 مثل باقى الايام بالنسبة ل(يوسف) الجندى فى البوليس المصرى بمحافظة الاسماعيلية فقد تلقوا امر من قوات الاحتلال الانجليزى بمغادرة مدن القناة بالكامل بعد العمليات التى نفذها الفيدائيين ضد قوات الاحتلال فى مدن القناة خاصة بعد ان اكتشفوا وجود تنسيق بين الفدائيين وقوات الشرطة وبالرغم من ذلك توجهت جميع القوات الى مبنى المحافظة وجلس مع زملائه فى انتظار رد فعل المحتل وجاء رد الفعل سريعا فسمعوا عبر مكبر الصوت من يقول باللغة العربية ولكن بلكنة اجنبية:
-على كل القوات الموجودة بداخل مبنى المحافظة اخلاء المبنى خلال خمس دقائق والا سيتم اقتحام المبنى وعلى القوات المنسحبة تسليم أسلحتهم امام القوات البريطانية والخروج رافعين ايديهم.
كان البيان به الكثير من المهانة نظر (يوسف)وباقى زملائه الى قائدهم الملازم أول (مصطفى رفعت) و(عبد المسيح) اللذان شاهدا من النافذة القوات البريطانية مدججة باقوى الاسلحة والدبابات فى حين تسليحهم ضعيف لا يزيد عن بنادق قديمة لا تقدر على مجابهة القوات التى فى الخارج فرأى (يوسف)وزملائه نظرة من القائدين بالاصرار على عدم التسليم ولكنهما لم يرتضيا ان يخوضا تلك المعركة دون موافقة جنود الشرطة فوجد زميل له يقول للقائدين:
-احنا بنرفض الانذار يا (مصطفى بيه).
فأكمل (يوسف):
-ايوه يا (مصطفى بيه)احنا هنقف ضدهم.
لتدب الحماسة فى الرجال ويصروا على عدم التسليم ليخرج (مصطفى رفعت)الى قائد القوات البريطانية (اكسهام)ليتحدث معه وبعد دقائق عاد الى قواته داخل مبنى المحافظة ليخبرهم بما تم مع القائد (اكسهام) فقال (مصطفى رفعت):
-طلب منى التسليم او انه هيدمر المكان علينا فرفضت وقولتله ان دى ارضنا وهم اللى مفروض يسيبوها ويمشوا من هنا والا احنا اللى هنضربهم بالرصاص.
شجعت تلك الكلمات الرجال ولكنها اصابتهم ببعض القلق ليقينهم بحدوث المواجهة التى لا يعلم مداها الا الله،وجاء عامل السويتش الى (مصطفى رفعت)ليخبره بان وزير الداخلية-فؤاد باشا سراج الدين وقتها-على التليفون ويريد التحدث اليه فتوجه (مصطفى رفعت)الى هناك وأخبر السيد وزير الداخلية برغبة الرجال فى القتال وعدم التسليم فوافقه وزير الداخلية وتمنى له ولرجاله التوفيق وما ان خرج الملازم (مصطفى رفعت)من الحجرة حتى انطلقت دانة مدفع لتدمر الحجرة التى كان بها من ثوانى ليسقط عامل السويتش أول الشهداء ولتبدأ معها المعركة بين جنود الاحتلال والذى يبلغ عددهم الالاف المدججة بالاسلحة الثقيلة والدبابات مقابل جنود من الشرطة يبلغ عددهم 800 لا يحملوا الا بنادق قديمة ووجد (يوسف)زملائه يتساقطون من حوله بين قتلى وجرحى بينما يحاول الملازم(مصطفى رفعت) تنظيمهم بين جميع المواقع وسمعه يقول:
 -محدش يضرب نار بطريقة عشوائية علشان الذخيرة تكفى لأطول فترة نقدر نقاوم فيها والضرب يبقى على اهداف محددة.
ومع ارتفاع عدد الضحايا طلب (مصطفى رفعت)التوقف عن ضرب النار ليخرج الى(اكسهام)لتتوقف القوات البريطانية عن الضرب هى الاخرى ليبدأ (يوسف)
وزملائه بنقل الجثث لمكان واحد والبدء فى اسعاف المرضى عن طريق صندوق الاسعافات الذى لم يكف لجميع المرضى فبداوا فى خلع الستائر والمفارش الموجودة فى المكان لتضميد الجراح حتى انهم بداوا فى تمزيق ملابسهم لتضميد جراح المصابين ولم يسمع (يوسف)اية أنين من المصابين بالرغم من فداحة اصابتهم بين من بترت ساقه اويده اوباصابات مختلفة فى حين توقع (اكسهام)خروج (مصطفى رفعت)للاستسلام ولكنه فوجىء به يقول فى كبرياء:
-اننى لم أخرج اليك لنستسلم ولكننا بحاجة الى سيارة اسعاف لنقل المصابين.
فوجىء (اكسهام)بهذا الرد غير المتوقع فرد على (مصطفى):
-لن تدخل اية عربة اسعاف ما لم تستسلموا على الفور او نهدم المبنى فوقكم.
فرفض (مصطفى رفعت)وعاد الى جنوده ليعود القتال من جديد وهو يقول فى حماسة انعشت قلوب الجنود:
- الله اكبر تحيا مصر.
ليردوا الجنود الهتاف خلفه ويتوالى سقوط الشهداء والمصابين ليطفح الكيل بالملازم الشاب ويقول لجنوده:
-انا خارج اقتل (اكسهام).
-انا مش أحسن من الأبطال اللى ماتوا.
ليصر على الخروج ويسلم القيادة من بعده لزميله(عبد المسيح)فخرج من المبنى عاقدا العزم على قتل (اكسهام)والاستشهاد ولكنه فوجىء بقائد اخر رتبته أعلى من (اكسهام)وهو الجنرال(ماتيوس)قائد القوات البريطانية فى مدن القناه فقام الجنرال البريطانى بتأدية التحية العسكرية للظابط المصرى الذى بادله التحية وفقا للقواعد العسكرية فقال القائد البريطانى:
-لقد اظهرتم شجاعة فائقة فعلا للدفاع عن مبنى المحافظة لم اشهد مثلها يوما  ولذلك تستحقون استسلاما مشرفا.
فقال (مصطفى رفعت) فى كبرياء:
- بشرط نقل المصابين واسعافهم وهنسيب الاسلحة فى مبنى المحافظة وخروج القوات دون وضع ايديهم على روؤسهم كأسرى وان يخرجوا بشكل عسكرى محترم لجنود ادوا واجبهم بشرف وبسالة.
- لك هذا فالقوات التى قاومت بهذه البسالة تستحق هذا.
وخرجت قوات الشرطة المصرية بشكل مشرف لجنود وقفوا فى شمم ضد محتل ادى التحية العسكرية لهم لبسالتهم المتناهية ليبلغ عدد شهداء الشرطة فى ذلك اليوم ثمانين شهيد ومائة وعشرين مصاب بينما سقط من القوات الانجليزية ثلاثة عشر قتيل واثنى عشرة جريح.
تمت

    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق