الخميس، 3 أبريل 2014

كباريه محترم



كباريه محترم
فى قلب العاصمة سار (عادل)مع صديقيه وهو فى حالة ارتباك وتردد حتى وجد شاب يستوقف المارة ويدعوهم لأحد البارات،فمروا بجانبه ليستوقفهم ويقول لهم:
-أتفضلوا يا باشوات كباريه محترم وسهرة جميلة.
فتفاعل صديقا (عادل)مع الشاب ووجدا انها فكرة رائعة ان يقضيا سهرتهم فى ذلك الكبارية خاصة وانهما من الزبائن المستديمين فيه اما (عادل)فقال لنفسه فى حيرة:
-كبارية ومحترم؟!!!
ولما وجد صديقيه قررا الذهاب الى الكباريه اراد ان يتراجع عن قضاء الليلة معهم فقال لأحدهم:
- طب اسيبكم انا همشى شوية فى وسط البلد وبعدين هأروح.
فقال له احدهم:
-تمشى فين انت مش لسه مجروح عاطفيا بدل ما تمشى على الكورنيش لوحدك تعالى معانا انت مش وافقت اخيرا تخرج معانا علشان تشوف الدنيا.
فصمت (عادل)ولم يعطه اصدقائه فرصة لأتخاذ قرار فسحبوه الى مقر الكباريه الذى لم يكن كباريه بالمعنى المتعارف عليه فما ان صعد (عادل)خلف اصدقائه ثلاث درجات من سلم خلف احدى العمارات القديمة حتى وجد نفسه داخل بار واسع قام صاحبه باضافة اليه بعض التفصيلات ليبدوا مثل الكباريه فوجد على المناضد مفارش عليها صور لكاس به بيرة وتحته اسم شركة بيرة مشهورة وكذلك صور على الجدران تحمل نفس الصور واسم نفس الشركة وزحام شديد وجو ملىء بالدخان الازرق فتوجه مع صديقيه نحو احدى المناضد والتى تبعد عن البار فوجد (عادل)تلك الاجواء غريبة عليه فلم يتصور انه سوف ياتى فى يوما ما الى مكان مثل هذا او حتى ان يخرج مع صديقيه خاصة وانه يعرف انهما يقضيان حياتهما فى جو ملىء بالفساد ولكن بسبب تعرضه لصدمة عاطفية بسبب رفض اسرة الفتاة التى احبها له بسبب مغالاتهم فى طلباتهم مما اثار دهشته فى البداية بالرغم من اتفاقهم من قبل على كل شىء وان حالته المادية لا باس فلديه شقة يستطيع الزواج فيها ومرتبه كبير الى حدا ما ولكن اسرة الفتاة تعمدوا التعنت وتبددت دهشته واصيب بانكسار عندما علم ان ذلك التعنت بغرض فك الارتباط لقيام شاب اخر مستواه الاجتماعى افضل منه ومن اسرة غنية جدا بخطبة الفتاة التى احبها وما زاد الالم لدى (عادل)هو موافقة تلك الفتاة على ذلك الامر مما جعله يتمرد على طريقة حياته والسلوكيات التى تربى عليها فقبل دعوة اثنان من اصدقائه للخروج معهم والتعرف على العالم الحقيقى الذى لم يشهده من قبل قطع تلك الذكريات والافكار مشاهدته لفتاة فى منتصف الثلاثينات من عمرها ترتدى قميص ابيض وتنورة قصيرة وتمشى بطريقة خليعة وهى تضحك ضحكة ماجنة وتقترب من المنضدة التى يجلس فيها مع اصدقائه حتى وصلت اليهم وتقول بطريقة مبتذلة:
-وحشتونا انتوا فين من مدة؟
فأجابها صديق (عادل):
-مشاغل يا قمر بس انهاردة السهرة صباحى.
- اما نشوف،مين الوجه الجديد اللى معاكم؟
- ده (عادل)صاحبنا.
- اهلا وسهلا به انا عايزاك تعتبر المكان مكانك.
فشعر (عادل)بالخجل وقال:
-متشكر جدا لحضرتك.
فضحكت الفتاة بطريقة سافرة وقالت:
-حضرتى!!ربنا يجبر بخاطرك والله انت زى العسل.
فألتفت الى صديقيه وقالت:
-هتشربوا ايه؟
فقال صديقا (عادل) فى نفس واحد:
-طقم بيرة مشبرة.
فالتفت الفتاة الى (عادل)وسألته:
-والوجه الجديد يشرب ايه؟
- حاجة ساقعة لو سمحتى؟
فضحك اصدقاء (عادل)والفتاة فقال احد صديقيه:
-معلش يا سوزى اصله مستجد جيبيله بيرة.
فقال (عادل)فى توتر:
لا يا (ايهاب)انا ما بشربش.
فقال صديقه الاخر:
-ما انت هتتعلم.
-بقولك يا (علاء)سيبنى براحتى او همشى ولو مفيش حاجة ساقعة هنا مش عايز اشرب حاجة خالص.
فقالت (سوزى):
-لا يا عسل فيه حاجة ساقعة ولو مفيش اجبلك مخصوص.
فأنصرفت (سوزى)وبدا (عادل)مرتبكا وقد ازداد ذلك الارتباك عندما أتت ثلاثة فتيات لتجلس بجوارهم على المائدة ليبدأ صديقاه فى اللهو مع الفتاتين وشرب البيرة واشعال السجائر التى تحتوى على مخدرات بينما لم يستطع (عادل)ان يتجاوب مع الفتاة الثالثة فأخذ صاحب البار يتابعهم بعينيه خاصة وانه يعلم اصدقاء (عادل) لكونهما من الزبائن المستديمين لديه وبخبرته فى العمل لكونه فى تلك المهنة من زمن بعيد منذ اكثر من اربعين منذ ان كان مجرد جارسون فتعلم كل اسرار تلك المهنة من كيفية مغالطة الزبائن وسرقتهم فى الحساب حتى كيفية حسابهم كقواد لبعض الفتيات اللائى يعملن لديه ويستطيع بسهولة معرفة طباع الزبائن من اول نظرة لهم فيعلم من هو الزبون المستديم ومن يسكر بعد كوب او اثنين من الخمر فيبدل له بعدها الخمر الاصلى بأخر مغشوش ومن ياتى ليبحث عن فتاة ليقضى ليلته معها حتى انه يستطيع ان يعلم ذوق الرجال فى النساء من نظرة الرجل للفتيات اللائى يعملن لديه فأشار للفتاة الثالثة لتترك (عادل)وتذهب الى منضدة اخرى فأشار صاحب البار الى (سوزى)وسألها:
-ايه حكاية الواد اللى قاعد مع (علاء)و(ايهاب)مابيشربش ولا عايز واحدة تقعد معاه وتسليه طول السهرة كده مش هنعرف نغالط الشابين فى عدد ازايز البيرة اللى هتنزلهم وخصوصا انهم بيدفعوا كويس ده غير السهرة اللى هيقضوها بعد ما نشطب وهيفضل هو صاحيلنا فلازم يا يشرب معاهم يا اما يتنقل على ترابيزة تانية.
فقطع كلامه عندما شاهد احدى الفتيات التى تعمل لديه وهى تبدو مرتبكة بين الزبائن فقال ل(سوزى):
-هى البنت اللى انت جايبها تشتغل هنا خايبة كده ليه؟
- معلش يا ريس اصلها لسه مخدتش على الجو وبعدين ده لسه اول يوم لها هنا انهاردة بكرة هتتعلم.
- انتى قولتيلى اسمها ايه؟
- (منى).
بالرغم من ارتباك (عادل)بسبب المكان وشعوره بالضيق الا ان بصره تعلق ب(منى)فوجدها فى نفس سنه فى منتصف العشرينات ذات شعر اسود وبشرة بيضاء ووجها ملائكيا ولا ترتدى مثل باقى العاملات تنورة قصيرة وانما بنطلون اسود على قميص ابيض فشعر بأنها لا تنتمى لهذا المكان فتلك النظرة المرتبكة فى عينيها مثل نظرته بالضبط نظرة خجل وقلق غير مستقرة ولا واثقة انها نظرة شخص اول مرة يدخل الى مكان مثل هذا،فأرداد ان يتحدث معها فشرب المياه الغازية كلها ليشير لها فأقتربت منه وهى مرتبكة فتلاقت عيناهما وصمتا لحظات دار فيهما حوارا بعينيهما فقط فقالت عينيه لعينيها:
- انا مش زى معظم الناس اللى هنا انا اول مرة اجى المكان ده.
فأجابت بعينيها:
-وانا كمان نفسى اخرج من هنا.
فقطع (عادل) حديث النظرات عندما قال للفتاة:
-ممكن حاجة ساقعة لو سمحتى.
- حاضر.
فأنصرفت الفتاة فمال (عادل)على صديقه (علاء)وانتزعه من يد الفتاة التى تجلس معه وقال له:
-(علاء)فيه واحدة عايز اكلمها واقعد معاها.
فضحك (علاء) وصفق بيديه وقال بصوت عالى:
-ايوه كده يا كبير.
فمسكه (عادل)من يده ليصمت وقال:
-مش زى ما انت فاهم وبعدين هتخلينى اقعد معاها ولا لأ؟
- حاضر يا سيدى متزعلش.
فأشار (علاء)الى (سوزى)وقال لها:
-صاحبنا فيه واحدة عاجباه وعايز يقعد معاها.
فقالت (سوزى):
-تحت امره مين من البنات؟
فقال (عادل):
-اللى لابسة بنطلون اسود.
- (منى).
- هى اسمها (منى).
- اه، لحظة واحدة.
فتوجهت (سوزى)الى (منى)وقالت لها:
-من اول يوم ليكى معجبين.
- معجبين؟
- ايوه فيه شاب عايز يقعد معاكى.
- بس انتى عارفة يا (سلوى)انى...
فقاطعتها (سوزى):
-انتى مش قولتيلى انك عايزة تشتغلى اى حاجة علشان تعرفى تصرفى على اخواتك وامك بعد موت ابوكى؟
- ايوه بس...
- مفيش بس انتى هتقعدى معاه وتتكلمى معاه وتهزرى شوية ومفيهاش حاجة لو وصل الهزار بالايد و هيبقى ليكى نسبة من ثمن الحاجات اللى هيطلبها وانتى قاعدة معاه فممكن تعملى فلوس زيادة والا صاحب البار ممكن يطردك.
فذهبت (منى)مع (سوزى)الى (عادل)فقالت (سوزى)للاخير:
- تعالى بعيد عن دوشة صحابك واقعد مع (منى)على الترابيزة التانية علشان تبقوا براحتكم،هتشرب القمر بتاعتنا ايه؟
فقال (عادل)وهو ينتقل لمنضدة اخرى:
-اللى هى عايزاه.
فتسائلت (سوزى):
- بيرة يا (منى)؟
فقالت (منى)بانزعاج:
-لا ليمون او حاجة ساقعة.
- وانا زيها.
فأنصرفت (سوزى) ونظر (عادل)الى (منى)التى بدت فى شدة الخجل وقال:
-انتى شكلك بيقول انك مش من المكان ده  ايه اللى جابك هنا؟
- عارف القصة المكررة اللى بتسمعها فى الافلام القديمة عن البنت اللى عايزة تضحى بنفسها علشان خاطر عليتها،فى الاول لما كنت بتفرج على الافلام ديه كنت بتريق عليها بس لما والدى توفى ولقيت اخواتى اللى فى المدارس عايزين ياكلوا ويتعلموا ويتعالجوا لو تعبوا ده غير امى اللى بتاخد دواء بيتكلف كتير عرفت ان ممكن الواحدة تعمل اى حاجة بسبب الظروف.
- طب ليه....
فقاطعته (منى)وقالت:
-متقوليش ليه ما اشتغلتيش فى اى مكان محترم، انا انسانة جامعية وابويا صرف عليا لمدة خمسة عشر سنة فى التعليم، بعد كل ده اشتغلت فى مكان بس مرتبى كان سبعمائة جنيه ومكانتش بتكفى اى حاجة لا اكل ولا تعليم ولا دواء.
لم يجد (عادل) ما يقوله لها وظل صامتا وبعد دقائق وجد صديقاه يصطحبان الفتاتان ويستعدان للخروج فسألهما:
-رايحين فين؟
- الفندق اللى فى اخر الشارع هنقضى الليلة هناك ونشوفك بكره لو نويت تكمل سهرتك مع صاحبتك حصلنا على الفندق محدش هناك هيفرق معاه مين طالع معاك الاوضة ولا هتعمل ايه وممكن يحجزوا لك الاوضة لليلة واحدة،اه على فكرة احنا دفعنا الحساب بتاعك كمان.   
فخرج الشابين مع الفتاتين بعد ان قام صاحب البار بمغالطتهما فى عدد زجاجات البيرة وقام بالحصول على اجرته كقواد للفتاتين اللتين خرجتا معهما واثناء حديث (عادل)مع (منى)وجد حركة غير طبيعية فى المحل ووجد صاحب البار يخرج ليستقبل شخص بنفسه ليعود بعد قليل ومعه رجل عربى يبدو عليه الثراء الشديد
وقام صاحب البار بخدمة الرجل بنفسه وبعد قليل جاءت (سوزى)الى (منى)
و تحدث اليها على انفراد لتعود (منى)الى (عادل)وقد تغير وجهها ولم تعد تقوى على السير فسألها (عادل)فى قلق:
-مالك فى ايه؟
- انا هسيبك دلوقتى.
- ليه؟
فقالت وقد بدات الدموع من عينيها قبل ان تزيح وجهها عنه:
-الغنى العربى اللى لسه واصل بيحب اللى تقضى معاه الليلة فى الفندق تبقى بنت ويبقى هو اول واحد ي...
فلم تستطع ان تكمل كلامها لتضع يديها على فمها وتبدا فى البكاء ولم يصدق (عادل)ما يسمعه لتاتى (سوزى)وتسحب (منى)من يدها بينما يتابعهما (عادل)وعيناه بدات تتساقط منها الدموع فوجد (سوزى)قد سلمت (منى)الى الثرى العربى ليتاءبط ذراعها ليتجه بها الى خارج البار فلم يتمالك (عادل)نفسه وجرى خلفهما ليخلصها من يده قبل ان يعبر باب البار ليامر صاحب البار عدد من رجاله بتاديب (عادل) الذى انهال عليه رجال صاحب البار بالضرب المبرح لترمى (منى)بنفسها فوق جسد (عادل) ليبتعد عنه هولاء البلطجية وتسحبه خارج البار ليقول لها صاحب البار بخشونة:
-لو مرجعتيش دلوقتى دورى على شغل فى مكان تانى.
لتبصق (منى)عليه وتخرح مع (عادل)الى احدى الصيدليات لاسعافه فقال (عادل)لها اثناء قيام الدكتور باسعافه:
-انتى بتؤمنى بالقدر وترتيبه.
-اه ليه؟
- القدر بعتنا لبعض علشان انتى ترجعينى لعقلى واخلاقى وتربيتى وما اتكسرش بسبب واحدة ماتستهلش وانا علشان انقذك قبل ما تضيعى واحافظ عليكى وعلى اصلك الطيب.
وفى الايام التالية لم تنقطع الاتصالات بينهما ليوفر (عادل) لها عملا فى مكان محترم بمرتب مناسب وفى فترة وجيزة قام بخطبتها واثناء سيرهما معا فى احد الايام فى قلب العاصمة و(عادل)متاءبط ذراع (منى)وجد شاب البار يقول لهما:
- أتفضلوا كباريه محترم وسهرة جميلة.
فأبتسما ونظرا الى بعض بنظرة ذات مغزى وتجاهلاه واكملا سيرهما.
تمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق