الخميس، 20 نوفمبر 2014

فى المستشفى

فى المستشفى
فجأة ساد الهرج والمرج فى تلك المنطقة الشعبية فبالرغم من ان الصوت المرتفع لا ينقطع فى اى ساعة من ساعات اليوم الا ان هذه المرة اقترن الصوت العالى بقلق وخوف ورعب وصراخ وحركة مضطربة وعويل نساء ودعوات صادقة من عجائز فأثناء لعب عدد من الاطفال الكرة فى تلك المنطقة الشعبية سدد طفل الكرة بقوة شديدة فلم يستطع الحارس الصغير ان يتصدى للكرة لتجتازه وتمر بين الحجرين فى الارض الذين وضعهما الاطفال كعارضتين لتبعد الكرة بعيدا معلنة عن هدف وبينما يحتفل فريق الطفل الذى احرز الهدف ساد الوجوم على الفريق الاخر وجرى حارس المرمى خلف الكرة وهو حزين بسبب الهدف الذى دخل مرماه وفى شدة تامله وتفكيره فى احداث المبارة وعيناه مثبتتان على الكرة لم يلحظ السيارة المسرعة تجاهه لتصدمه بقوة ويسقط غارقا فى دمائه لتثور تلك المنطقة وفى لحظات حملوا الصبى وقاموا بوضعه داخل سيارة وانتزعوا والده من شقته ليجلسوه بجوار ابنه فى السيارة ليضع الرجل راس ابنه على فخده ليغرق بنطال الاب بدماء الابن يبنما وضع الاب يده على راس ابنه ليتلوا ايات قرانية قصيرة ويردد عدد من الادعية ويضمه الى صدره من فترة لاخرى ليشبع من ذلك الحضن خوفا من ان يفقده ولا يستطيع ان يضمه الى صدره مرة اخرى،حتى توقف صاحب السيارة امام اقرب مستشفى وجدها فى طريقه ليحاول ان يحمل الاب ابنه ولكن قدماه لم تسعفاه لكى يحمل ابنه فتطوع احد ممن رافقوه من الشارع بحمل الصبى وقام الاخر بمساندة الاب حتى بلغ الاستقبال فوجد الرجل الذى يحمل ابنه يتحدث مع احد الاطباء فطلب الاخير منه ان ياتى خلفه بالفتى ليدخلا الى احدى الحجرات فتبعهما الاب متسندا باحد رجال شارعه ليتطلع الى الغرفة فوجدها صغيرة جدا وجدرانها مشققة ولا يوجد بها سوى نافذة واحدة مفتوح شباكها مع وجود حاجز حديدى عليه بينما الطبيب وضع سماعته على صدر الفتى ووضع يده حول معصم الفتى ونظر فى الساعة متابعا النبض وربط راسه بالشاش قبل ان يرفع راسه قائلا للجمع من حوله:
-انتوا لازم تطلعوا به على اقرب مستشفى.
فتبادل الجميع النظرات فى ذهول قبل ان يقول احدهم:
-اومال هنا ايه؟
- هنا المستشفى مش مجهزة ومفيهاش الامكانيات اللى تستحمل اجراء عملية جراحية لابنك لازم يتنقل فورا.
فأسرع الرجال بوضع الفتى فى السيارة حتى توجهوا به الى مستشفى حكومى اخر ودخلوا به الى المستشفى وهناك اخبرهم الطبيب انه لا يوجد مكان له بالمستشفى ورفضوا استلام تلك الحالة حتى لا يتعرضوا للمسئولية خاصة وان الحالة متدهورة
فتوسل الاب الى نائب مدير المستشفى وانحنى ليقبل قدميه قائلا:
-يا باشا انا مستعد اكتب اقرار على نفسى انها على مسئوليتى.
فرفض الطبيب وقال:
-دى مسئولية يا استاذ لازم موافقة مدير المستشفى.
- طيب فين سعادة البيه المدير وانا مستعد ابوس رجله علشان يوافق.
- للاسف المدير مش موجود فى احتفال فى الوزارة.
فيأس الرجل ومن معه وبدوا فى حالة ذهول قبل ان يقول الطبيب:
-نصيحة خد ابنك بسرعة واطلع على المستشفى الاستثمارى اللى على اول الشارع.
فذهب الرجل مع باقى الرجال وهم حاملين الفتى ودخلوا المستشفى الخاص قبل ان يتم ايقافهم عند الاستقبال ليقول لهم موظف الاستقبال:
-خمس الاف جنيه تحت الحساب.
فقال والد الطفل:
-الولد يدخل دلوقتى وهجبلك الفلوس.
- التعليمات اللى عندى ممنوع استقبال الحالات الا بعد سداد مبلغ من تحت الحساب.
- طيب ممكن مدير المستشفى؟
- مش موجود فى احتفال فى الوزارة،اللى موجود الدكتور (مدحت).
فدخلوا جميعا الى الدكتور (مدحت) فبدأ سمجا ذا نظرة خبيثة فقال والد الطفل:
-ارجوك يا باشا خليهم يدخلوا الولد المستشفى وهنجيب الفلوس.
- انا اسف ممنوع دخوله الا بعد سداد مبلغ من تحت الحساب.
فقال احد اجيران الرجل مخاطبا الدكتور:
-بس احنا معملناش حسابنا وعقبال ما نبعت نجيب فلوس يكون الولد دمه اتصفى.
فالتفت الطبيب الى المتكلم وقال فى برود:
-خليك مؤمن الاعمار بيد الله ومحدش بيموت ناقص عمر.
فقال رجلا اخر بعصبية بسبب برود الدكتور:
-بس فى قرار من وزير الصحة حتى على المستشفيات الخاصة باستقبال الحالات الطارئة وعلاجها لمدة ثمانية واربعين ساعة مجانا.
فابتسم الطبيب وتسائل ساخرا:
-قرار من مين؟
فأجاب الرجل فى تحدى:
-وزير الصحة.
- روح اشتكيله.
فسمعوا هاتف الطبيب يرن ليجيبه الطبيب ويقول فى برود:
-ايوه يا حبيبتى انا هخلص انهاردة بدرى واجيلك ناخد الاولاد ونخرج.
فالتفت اليهم واشار لهم بالانصراف ليخرجوا جميعا غير مدركين لما يحدث فوجدوا الطفل ملقى امامهم على احد المقاعد ودمه يصفى فأخرج كل منهم ما فى جيبه وترك احدهم بهاتفه المحمول-وهو الوحيد الذى اتى بهاتفه معه- مع الاموال  واتصلوا باهل الشارع لياتوا بااموال وفى غضون نصف ساعة اتت ام الصبى مهرولة بما فى البيت من مال ومصوغات تمتلكها ليضعوها امام موظف الاستقبال ليخرج الطبيب ليعلن عن قبول الحالة ولكن قبل ان يتحركوا به كان الصبى قد لفظ انفاسه الاخيرة ليحترق قلب الاب وتسقط الام مغشيا عليها من هول الصدمة، وبعد اتمام اجراءات الدفن وقف الاب مساء يتلقى العزاء فى نجله عند مدخل شارعه فى تلك المنطقة الشعبية والتى كانت صباحا ملعبا دهم فيها ابنه ومات، وفى اللحظة التى كان يتلقى الاب عزاء نجله ضية الاهمال والاستغلال والفقر كان السيد وزير الصحة فى الوزارة يضر احتفال يضم عدد من مديرى المستشفيات ومن بينهم مديرى المستشفيين الحكوميين اللتين رفضتا استلام الطفل وكذلك مدير المستشفى الخاص التى اشترطت سداد مبلغ من المال قبل استلام الصبى فوقف السيد وزير الصحة والقى خطابا قبل ان يختتمه قائلا:
-وقد شددنا على استقبال اى مستشفى حتى المستشفيات الخاصة للحالات الخطيرة والتى تدخل قسم الطوارىءعلى ضرورة علاج الالة ومراعتها على الاقل لمدة ثمانية واربعين ساعة وحتى تتجاوز مرحلة الخطر دون ان يدفع المريضا جنيها واحدا والمستشفى الحكومى التى ستخالف ذلك سيتعرض مديرها للجزاء وقد تصل الى العقوبة الى الفصل وستعاقب المستشفى الخاص التى ستخالف ذلك القرار لعقوبات قد تصل الى حد الاغلاق وقد يحال المدير المسئول سواء فى المستشفى العام او الخاص الى النيابة العامة اذا امتنع عن تطبيق القرار وتوفى المريض.
وما ان انهى وزير الصحة خطبته حتى ضجت القاعة بالتصفيق فنظر الوزير الى الحضور بعين الرضاء بعدما شاهد الجميع يمتدح كلمته اما الغريب ان اكثر من قام بالتصفيق على كلمة وزير الصحة هما مدير المستشفيين الحكوميين ومدير المستشفى الخاص اللائى توفى الصبى بسبب اهمالهم وسوء ادارتهم وجشعهم والذى يقام له العزاء فى نفس اللحظة التى يصفقون فيها على كلمة الوزير بنفاق وقد علت وجههم ابتسامة سخرية.
تمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق