الأربعاء، 4 فبراير 2015

فى الغربة



فى الغربة
التاريخ:1997
اخيرا عاد (عوض) الى ارض الوطن بعد رحلة عمل وكفاح لبناء مستقبله فى احدى الدول العربية الشقيقة دون ذكر اسم تلك الدولة حفاظا على العلاقات الطيبة بالدولة الشقيقة وسنكتفى بالحرف الاول بالدولة واول حرف هو -(العراق)- و نزل (عوض) من الطائرة حاملا حقيبة يد خفيفة على كتفه الايمن وممسكا بيده اليسرى المروحة التى اشتراها من (العراق) ، خصيصا كسائر معظم المصريين الذين عادوا من العمل بالخليج العربى و(ليبيا) فى تلك الاونة فقد كان هناك معتقد او ما يشبه اسطورة منتشرة فى تلك الفترة ان من يعمل فى الخليج او (ليبيا) ولم يعد بمروحة فهو حتما لم يوفق هناك ولم يكن هناك ذى مكانة بين اقرانه ولذا حرص معظم المصريين الذين عملوا بالدول العربية فى تلك الحقبة -حقبة التسعينات- ان تكون المروحة اولى اهتماماتهم،وعلى بوابة المطار كان اقاربه واصدقائه فى انتظاره ليظهر لهم (عوض) فى قميصه المزركش حاملا الحقيبة الكبيرة -التى ستصبح حديث الشارع كله فيتخيل كل افراد الشارع ان بتلك الحقيبة مغارة (على بابا) فلا ينقص الا القول :افتح يا سمسم- بالاضافة الى حقيبة اليد الصغيرة وطبعا رمز الاحترام المروحة التى لا تقل اهمية عن تاشيرة العودة الى (مصر)، استقبلته اذرع الاهل والاصدقاء فى فرحة كبيرة مقتنعين بعودة (عوض) حاملا المروحة واراد الاخير ان يوكد على عودته بالخير الكثير فأمسك الشنطة الكبيرة بقوة وفى حرص مما أعطى ايحاءا بأهمية ما تحمله تلك الشنطة وفى لحظات أستقل (عوض)
مع اسرته التاكسى والذى يملكه جاره فقال (عوض)بشكل مصطنع بعدما اخرج راسه من زجاج التاكسى:
-يااااااه (مصر) اتغيرت.
فنظر له صاحب التاكسى خلسة من مراة السيارة فى تقزز وقال لنفسه:
-وحياة اهلك ما انت كنت فيها السنة اللى فاتت لما نزلت الاجازة.
ودخلت السيارة الشارع ليترجل منها (عوض) حاملا شنطته الكبيرة والمروحة وما ان شاهده اهالى الشارع حتى جروا نحوه وبدا كل منهم فى ابداء احترام كبير له واصطناع سعادة زائدة فمنهم من يمنى نفسه بهبة او سلفة او ان يساعده (عوض)
للسفر مثله للخارج ومن فخامة الاستقبال قال احد الشباب لصديقه:
-سبحان الله (عوض) اللى مكانش حده بيطيقه ولما يعدى فى مكان الناس تودى وشها الناحية التانية، اهالى الشارع عملينله استقبال فاق استقبال العرب ل(صلاح الدين الايوبى)وهو راجع بمفاتيح بيت المقدس بعد انتصاره الكبير.
فتسال صديقه الذى كان فى حالة غياب عن الواقع بسبب المخدرات:
-هو (صلاح) ده اتغرب قد ايه وكان شغال فين ورجع بكام ولامؤاخذة؟
فنظر له صديقه باشمئزاز وتوجه الى (عوض) ليكون من ضمن المهنئين، ليصعد
(عوض)الى الشقة ولم يفارقه جموع المهنئين حتى الشقة فدخل عدد كبير منهم الى شقة (عوض) الذى قام بوضع الشنطة الكبيرة على المنضدة فى الصالة لتتعلق اعين المهنئين بالشنطة السحرية متخيلين الاف الجنيهات بالمصرى والعراقى والدولار وكل منهم يمنى نفسه بوجود هدايا نفيسة سيعطيها له (عوض) من بلاد الرافدين ولما طال الوقت ولم يعلن (عوض) عن اى هدايا فقال كل شخص من المهنئين لنفسه:
-اكيد هو جايبلى هدية بس مش عايز يدهانى قصاد بقية الناس دى كلها علشان محدش يحسده او يقول اشمعنى.
وبدأ كل منهم يسب الاخر فى سره ليقول كل منهم لنفسه:
-ايه البجاحة دى كل واحد قاعد مسنى كأنه بيشحت ومش مراعيين انه راجع من السفر وعايز يرتاح؟!!!!
دون ان ينتبه كل شخص انه يفعل نفس السلوك حتى يئسوا جميعا من خروج الهدايا
فانصرفوا من المنزل ساخطين على بعض، وطوال يومين كاملين كانت نساء الحى تترددن لزيارة والدة (عوض) بصحبة بناتهن بعد ان جعلن البنات فى ابهى الصورة وكل امراة ترغب فى ان يتزوج (عوض) من ابنتها،وفى الزيارة كانت كل سيدة تقدم لام (عوض) صنف من الحلويات الشرقية التى تصنع بالبيت وتدعى بان ابنتها هى من قامت باعدادها لتشيد بابنتها فى المطبخ وكافة الاعمال المنزلية وكل تقوم تدعى بان العرسان تقف طوابير لخطبة ابنتها ولكن الفتاة هى من ترفضهم لتقوم الام بعدها بربط زواج ابنتها بموضوع زواج (عوض) لتسال امه:
-والنبى حارسه زينة الشباب (عوض) هيتجوز امتى؟
فترد الام:
-كل شىء بأوانه.
- برضه لازم يشوف عروسة بنت حلال وشاطرة فى البيت.
ودائما ما تنتهى الزيارة دون ان يحصلن ولو على كلمة تشجيع من ام (عوض) المدركة لما تلمح له السيدات ولكنها دائما ما تدعى عدم فهم تلميحاتهم، اما اهل الشارع من الرجال فقد اعدوا ل(عوض) سهرة خاصة احتفالا بعودته ولكنها لم تكن فى واقع الامر الا محاولة للاقتراب منه لمصلحة خاصة فمنهم من طمع فى اقتراض مبلغ لن يسده مستقبلا ومن طمع فى مصاهرته وتزويجه لابنته او اخته ومن طمع فى مساعدة (عوض)له ليسافر مثله الى (العراق)، وفى السهرة جلس (عوض) فى المقهى وحوله الرجال ليبدأ فى اطلاق اكاذيبه عن عمله ب(العراق):
-انا حفظت (العراق) كلها زى كف ايدى،لفيتها كلها (بغداد) و(الموصل) و(النجف) و(اربيل) مخلتش مكان وكل ده علشان الحاج صاحب الشغل مكانش بيثق غير فى العبد لله وكأن بيعاملنى زى ابنه لدرجة ان فيه ناس كنت بتقوله يا ابو (عوض)، مش بس كده ده غير ان مفيش حد فيكى يا(عراق) لا مصرى ولا عراقى الا ويعرف العبد لله ده انا سمعت من الحاج صاحب الشغل ان الصيت بتاعى وصل للرئيس (صدام) نفسه.
صمت (عوض) ليرى مدى تأثير كذبه فى الجالسين يستمعون له فوجد جميع الاعين تتلعق اليه فى انبهار فبدأ يزيد من جرعة الكذب ليصف مواجهاته الضارية التى خاضها فى سبيل الحفاظ على لقمة العيش بالاضافة الى المكائد التى حيقت له واجتازها بدهائه فسأله احدهم:
-كنت عايش فين فى (العراق)؟
- فى (بغداد) الحاج صاحب الشغل اجرلى شقة كامة لوحدى اعيش فيها قريب منه علشان افضل قريب منه وكان نفسه يجوزنى بنته لانه بيعتبرنى ابنى اللى مخلفوش.
- الفلوس هناك نظامها ايه؟
- زى الارز انا عن نفسى كنت بعمل لنفسى مصال بعيد عن الشغل وكان بيطلعلى فلوس اكتر من الراتب اللى بيدهونى صاحب الشغل اللى كنت فيه.
وتعمد (عوض) ان يقول راتب بدلا من مرتب حتى يوكد تاثره بالعمل فى الخليج وما ان انتهى (عوض) من كلامه حتى اخرج صاحب المقهى قطعة كبيرة جدا من الحشيش وقام الرجال بشراء العشاء وزجاجات البيرة احتفالا ب(عوض)  ليقول صاحب المقهى لصبيه:
-اقفل باب القهوة من جوة.
لينفذ صبى القهوة اوامر معلمه وبعد ان انتهى الرجال من الاكل وشرب البيرة حتى دارت الشيش بينهم وبداخلها قطع الحشيش وبعد ساعتين كان كل الرجال فى المقهى مسطولين بفعل المخدرات باستثناء صبى القهوة الذى لم يشرب معهم واكتفى بخدمتهم وبسبب المخدرات خيم الصمت على المقهى من الداخل ولم يخرج اى صوت خارج المقهى المغلقة ابوابه باستثناء صوت قرقرة الشيش والدخان الازرق الذى خرج من اسفل البابحتى وقف (عوض) وصا فى الرجال:
-كلكم ولاد كلب منافقين.
فضحكوا جميعا وقالوا:
-اه.
فأكمل (عوض):
-فاكرنى عبيط ومش عارف انكم بتنافقونى مش قبل ما اسافر كنتوا بتعاملونى زى الكلب الجربان اشمعنى دلوقتى بقيت حبيبكم اللى عايز فلوسى واللى عايز يسافر.
فضحك المساطيل وضحك (عوض) واكمل:
-حتى نسوان الشارع كل يوم الاقى واحدة ولا اتنين جايبة معاها بنتها وتطلع لامى علشان تجوزهالى وتقول فى بنتها شعر فى الطبخ والاخلاق وبتبقى خلاص ناقص تقول لامى جوزى ابنك لبنتى.
حدق صبى القهوة فى الرجال غير مصدق بما يتم فى الشارع قبل ان يجلس عوض على الكرسى كزعيم انتهى لتوه من خطبة عصماء قبل ان يقول بانكسار:
-حتى انا ابن كلب كداب ومنافق،راجع ومفهمكم انى عايش عيشة الملوك وحافظ (العراق) كل ده كدب انا معرفاش هناك غير الشارع اللى كنت شغال فيه فى (بغداد) وفى نفس الشارع سكنى مع سبعة مصريين فى شقة واحدة وبحرم نفسى من الاكل والعيشة وكنت بتحايل على اليوم انه يعدى وماشى فى جنب الحيط وبستحمل اى حاجة تحصلى والدواء مكنتش بجيبه لو مرضت علشان اوفر وفى الاخر عايزينى افرط فى القرشين اللى جبتهم بالعرق والدموع والدم واللى يادوب يجيبولى اوضتين وصالة يلمونى واشترى ميكروباص اشتغل عليه.
لتنتاب (عوض) حماسة مفاجئة ووقف فوق المنضدة فى المقهى وقال بصوت قوى:
-ملعون ابوكم.
ليسقط بعدها على الارض بينما باقى المساطيل انتابتهم حالة من الضحك الشديدة وفى الصباح التالى استيقظ الرجال فى المقهى ولم يتذكر (عوض) ما قاله فى الليلة السابقة بسبب المخدرات وكذلك لم يتذكر باقى الرجال ما سمعوه من (عوض) الوحيد الذى سمع كل شىء هو صبى المقهى الذى تابع فى الايام التالية نفاق اهل الشارع ل(عوض) ومازالت النساء تحاول استرضاء والدة (عوض) ومازال (عوض) يكذب على اهالى الشارع فى تفاصيل غربته
تمت


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق